الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب علامة المنافق

          ░24▒ (بَابُ عَلَامَاتِ المُنَافِقِ): بإضافة باب لا غير ولم يعبر بآيات المنافق موافقة لحديث الباب؛ لأنه أشار إلى حديث رواه أبو عوانة في ((صحيحه)) بلفظ: (علامات المنافق) لما قدم أن مراتب الكفر متفاوتة، وكذلك الظلم أتبعه بأن النفاق كذلك.
          وقال النووي: أراد البخاري بهذه الترجمة أن المعاصي تنقص الإيمان كما أن الطاعة تزيده.
          وقال الكرماني: مناسبة هذا الباب لكتاب الإيمان أن النفاق علامة عدم الإيمان أو ليعلم منه أن بعض النفاق كفر دون بعض.
          والعلامات: بالجمع رواية الأربعة، ولغيرهم: <علامة> بالإفراد، وهي ما يستدل بها على الشيء والمنافق من باب المفاعلة التي أصلها أن تكون بين اثنين لكنه هنا من باب: {قَاتَلَهُمُ اللهُ} [المنافقون:4]، مأخوذ من النفاق وهي لغة: مخالفة الظاهر للباطن، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه.
          وقد قسم العيني النفاق إلى اثني عشر قسماً حاصلة من ضرب أحوال القلب الأربعة في أحوال اللسان الثلاثة، فأحوال القلب: الاعتقاد المطابق عن دليل الاعتقاد المطابق لا عن دليل الاعتقاد، والغير المطابق: خلو القلب عن ذلك، وأحوال اللسان إقرار إنكار سكوت فراجعه.
          فالمنافق لغة: المظهر خلاف ما يبطن، واصطلاحاً: هو المظهر للإسلام المبطن للكفر، وهذا هو الزنديق الآن.
          ولهذا نقل القرطبي عن مالك: أن النفاق على عهد رسول الله صلعم هو الزندقة اليوم سمي به لأنه ستر كفره بإسلامه تشبيهاً بالذي يدخل النفق، وهو السَّرْبُ الذي في الأرض، وله مخلص إلى مكان آخر يستتر به.
          وقيل: مأخوذ من نافقاء اليربوع فإن إحدى جحريه يسمى النافقاء، وهو الذي يرققه بحيث إذا ضربه برأسه انشق ويكتمها ويظهر القاصعاء وهي التي يقصع فيها؛ أي: يدخل، فإذا أتاه الصائد دخل من القاصعاء وخرج من النافقاء، فكذلك المنافق يدخل من باب ويخرج من آخر؛ لأن النافقاء ظاهرها كالأرض وباطنها حفرة، فكذلك المنافق.