الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}

          ░22م▒ (باب): بالتنوين، وسقط للأصيلي ({وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]): وللأصيلي وأبي الوقت: <{اقْتَتَلُوا} الآية> (فَسَمَّاهُمُ الْمُؤْمِنِينَ): ولابن عساكر: <مؤمنين مع تقاتلهم> وهذا الترتيب الذي شرحوا عليه من ذكره أولاً باب المعاصي من أمر الجاهلية، وإيراد آية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء:48] بعد قوله صلعم: (إنك امرؤ فيك جاهلية) وإيراد حديث أبي ذر فيه، ثم من ذكر هذا الباب، وإيراد آية: {وَإِن طَائِفَتَانِ} [الحجرات:9]، وحديث أبي بكرة فيه هو: رواية الأصيلي وغيره، سوى أبي ذر عن مشايخه.
          أما / أبو ذر عن مشايخه فإنه أسقط باب ثانياً، وأدخل آيته.
          وحديث أبي بكرة في الباب السابق عقب آية: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48] وآخر حديث أبي ذر إلا المستملي فإنه أسقط حديث أبي بكرة.
          قال في ((الفتح)): وكل من الروايتين جمعاً وتفريقاً حسن.
          وسبب نزول هذه الآية ما جاء عن أنس أنه قيل: (يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلعم فركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخةٌ، فلما أتاه النبي صلعم قال: إليك فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلعم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال).
          وهذا تفصيل قول البيضاوي: والآية نزلت في قتال حدث بين الأوس والخزرج في عهده ◙ بالسقف والنعال، وهي تدل على أن الباغي مؤمن، وأنه إذا قبض عن الحرب ترك كما جاء في الحديث؛ لأنه فاء لأمر الله، وأنه تجب معاونة من بغى عليه بعد تقديم النصح والسعي في المصالحة.
          وقال أولاً: {اقْتَتَلُوا} بمعنى تقاتلوا بالجمع باعتبار المعنى، فإن كل طائفة جمع.
          وقال ثانياً: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9] أي: بالنصح والدعاء إلى حكم الله بالتثنية نظراً للفظ، وقرأ ابن أبي عبلة: ▬اقتتلتا↨ بالتثنية والتأنيث، نظراً للطائفتين، وقرأ عمر بن عبيد: ▬اقتتلا↨، بالتثنية والتذكير؛ لتأويل طائفتين بالنفرين أو الرهطين، والطائفة لغة القطعة من الشيء تطلق على الواحد فما فوقه عند الجمهور، وقد حمل الشافعي وغيره الطائفة في مواضع من القرآن على أوجه مختلفة بحسب الأدلة الخارجية، فحملها في قوله: {فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ} [النساء:102] على ثلاثة على الصحيح، وفي: فـ{لْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] على أربعة.