نجاح القاري لصحيح البخاري

باب حمل صاحب الدابة غيره بين يديه

          ░100▒ (بابُ حَمْلِ صَاحِبِ الدَّابَّةِ غَيْرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ) يعني: قُدَّامه (وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقُّ بِصَدْرِ الدَّابَّةِ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ) ثبت هذا التَّعليق عند النَّسفي، وهو لأبي ذرٍّ عن المستملي وحده، والبعض المبهم هو: عامرٌ الشَّعبي، أخرجه ابنُ أبي شيبة عنه، وقد جاء ذلك مرفوعاً أخرجه أبو داود والترمذيُّ وأحمد وصحَّحه ابن حبَّان والحاكم من طريق حسين بن واقد عن عبد الله بن بُرَيدة عن أبيه قال: بينما رسول الله صلعم يمشي إذ جاءه رجلٌ ومعه حمارٌ، فقال: يا رسول الله اركبْ وتأخَّر الرجل فقال: لا أنت أحقُّ بصدر دابَّتك إلَّا أن تجعله لي فركب. وهذا الرجلُ هو معاذ بن جبل ☺ بيَّنه حبيب بن الشَّهيد في روايته عن عبد الله بن بُريدة، لكنَّه أرسله، أخرجه ابنُ أبي شيبة من طريقه. قال ابن بطَّال: كأنَّ البخاريَّ لم يرتضِ إسناده _يعني: حديث بُريدة_ فأدخل حديث ابن عبَّاسٍ ☻ ليدلَّ على معناه.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: ليس هو على شرطه فلذلك اقتصر على الإشارة إليه، وقد وجدت له شاهداً من حديث النُّعمان بن بشير ☺ أخرجه الطبرانيُّ وفيه زيادة الاستثناء. وأخرجَه أحمدُ من حديث قيس بن سعد بدون الزيادة، وفي الباب عدَّة أحاديث مرفوعة وموقوفة بمعنى ذلك.
          قال ابنُ العربي: إنما كان الرَّجل أحقَّ بصدر دابته؛ لأنَّه شرفٌ والشرف حقُّ المالك، ولأنَّه يصرفها في المشي حيث يشاء وعلى أيِّ وجهٍ أرادَ من إسراع أو بطؤ، ومن طول أو قصرٍ بخلاف غير المالك. وقوله في حديث بُريدة / إلَّا أن تجعلَه لي يريد الركوب على مقدَّم الدَّابة، وفيه نظرٌ لأنَّ الرَّجل قد تأخَّر، وقال له: يا رسول الله اركب؛ أي: في المقدَّم، فدلَّ على أنَّه جعله له.
          ويمكن أن يُجابَ بأنَّ المراد أنَّه طلب منه أن يجعلَه له صريحاً، أو الضَّمير للتصرُّف في الدَّابة بعد الرُّكوب كيف أراد، كما أشار إليه ابن العربيِّ في حقِّ صاحب الدَّابة، فكأنَّه قال: اجعل حقَّك لي من الرُّكوب على مقدَّم الدَّابَّة وما يترتَّب على ذلك.