نجاح القاري لصحيح البخاري

باب جيب القميص من عند الصدر وغيره

          ░9▒ (بابُ جَيْبِ الْقَمِيصِ) الكائن (مِنْ عِنْدِ الصَّدْرِ) ليخرج منه الرَّأس (وَغَيْرِهِ) عطف على القميص. الجَيْب: بفتح الجيم وسكون التَّحتية بعدها موحَّدة، هو ما يُقطَعُ من الثَّوب؛ ليخرج منه الرَّأس، أو اليد، أو غير ذلك. وقد اعترضه الإسماعيليُّ فقال: الجَيْب هو الَّذي يحيط بالعنق، يقال: جِيْب الثَّوبُ؛ أي: جعل فيه ثقب. قال: وأورده البخاري على أنَّه ما يُجعل في الصَّدر؛ ليوضع فيه الشَّيء، وبذلك فسَّره أبو عبيد، لكن ليس هو المراد هنا، وإنَّما الجَيْب الذي أشار إليه في الحديث هو الأوَّل، كذا قال.
          وكأنَّه يعني: ما وقع في الحديث من قوله: ((ويقول / بإصبعه هكذا في جيبه)) فإنَّ الظَّاهر أنَّه كان لابس قميص، وكان في طَوقه فتحه إلى صدره، ولا منعَ من حمله على المعنى الآخر، بل استدَلَّ به ابن بطَّال على أنَّ الجيبَ في ثياب السَّلف كان عند الصَّدر. قال: وهو الذي تصنعُه النساء بالأندلس، وموضع الدَّلالة منه أنَّ البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاقَ عليها، وهو الثَّدي والتَّراقي، وذلك في الصَّدر. قال: فبان أنَّ جيبَه كان في صدره؛ لأنَّه لو كان في يده لم تُضطرَّ يداه إلى ثدييه وتراقيهِ. وفي حديث قرَّة بن إياس الذي أخرجه أبو داود والتِّرمذي وصحَّحه هو وابنُ حبَّان: لما بايعَ النَّبيَّ صلعم قال: فأدخلتُ يدي في جيبِ قميصه، فَمسِتُ الخاتم، ما يقتضِي أنَّ جيبَ قميصه كان في صدره؛ لأنَّ في أوَّل الحديث أنَّه رآه مطلق القميص؛ أي: غير مزرَّر.