نجاح القاري لصحيح البخاري

باب المتشبهون بالنساء والمتشبهات بالرجال

          ░61▒ (بابُ) ذم (الْمُتَشَبِّهِيْنَ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ) ويدلُّ على ذلك اللَّعن المذكور في حديثي الباب، وفي رواية غير أبي ذرٍّ: <بابٌ> بالتنوين <المتشبهون> و<المتشبهاتُ> بالرفع فيهما بالواو والضَّمَّة، وتشبه الرِّجال بالنِّساء في اللِّباس والزِّينة التي تختصُّ بالنِّساء مثل لبس المقانع والقلائد والمخانق والأَسْوِرَة والخلاخل والقُرط ونحو ذلك ممَّا ليس للرِّجال لبسه، وكرقَّة الكلام والمشي كالانخناث والتَّثنِّي والتَّكسُّر. وتشبُّه النِّساء بالرِّجال مثل لبس النِّعال الرِّقاق، والمشي بها في محافل الرِّجال ولبس الأردية والطَّيالسة والعمائم ونحو ذلك ممَّا ليس لهنَّ استعماله.
          قال الطَّبريُّ: لا يحلُّ للرِّجال التَّشبُّه بالنِّساء في الأفعال الَّتي هي مختصَّةٌ بهنَّ كالانخناث في الأجسام والتأنيث في الكلام وفي المشي، وأمَّا من كان ذلك في أصل خلقته فإنَّه يؤمر بتكلُّف تركه والإدمان على ذلك بالتَّدريج، فإن لم يفعلْ / وتمادى دَخَله الذَّم ولاسيَّما إذا بدا منه ما يدلُّ على الرِّضا به، وأخذ هذا واضحٌ من لفظ: «المتشبِّهين».
          واستدلَّ لذلك الطَّبريُّ بكونه صلعم لم يمنع المخنث من الدُّخول على النِّساء حتَّى سمعَ منه التَّدقيق في وصف المرأة كما في ثالث أحاديث الباب الَّذي يليه [خ¦5887] فمنعه حينئذٍ، فدلَّ على أنَّ لا ذمَّ على ما كان من أصل الخِلْقة، وأمَّا هيئة اللِّباس فتختلف باختلاف عادة كلِّ بلدٍ، فربَّ قومٍ لا يفترق زيُّ نسائهم من رجالهم في اللِّباس لكن يمتاز النِّساء بالاحتجاب والاستتار.
          وقال ابن التِّين: المراد باللَّعن في حديث الباب: من تشبَّه من الرِّجال بالنِّساء في الزيِّ، ومن تشبَّه من النِّساء بالرِّجال كذلك، فأمَّا من انتهى في التَّشبُّه بالنِّساء من الرِّجال إلى أن يُؤتى في دبره، وبالرِّجال من النِّساء إلى أن تتعاطى السُّحق بغيرها من النِّساء، فإنَّ لهذين الصِّنفين من الذَّمِّ والعقوبة أشدُّ ممن لم يصل إلى ذلك.
          وقال الشَّيخ أبو محمد بن أبي جمرة ما ملخَّصه: إنَّ ظاهر اللَّفظ الزجر عن التَّشبُّه في كلِّ شيءٍ، لكن عُرِفَ من الأدلَّة الأخرى أنَّ المراد التَّشبُّه في الزِّيِّ وبعض الصِّفات والحركات ونحوها لا التَّشبُّه في أمور الخير مطلقاً.