نجاح القاري لصحيح البخاري

باب التقنع

          ░16▒ (بابُ التَّقَنُّعِ) بفتح الفوقية والقاف وضم النون المشددة بعدها عين مهملة، وهو تغطيةُ الرأس وأكثر الوجه برِداء أو غيره (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : (خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ) هذا طرفٌ من حديث أخرجه مسنداً في مواضع منها: في «مناقب الأنصار» في باب: قول النبي صلعم : ((اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)) [خ¦3800]: حدثنا أحمد بن يعقوب: أخبرنا ابن الغسيل: سمعت عِكرمة يقول: سمعت ابن عبَّاس ☻ يقول: خرجَ رسول الله صلعم وعليه ملحفة متعطِّفاً بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماءَ... الحديث.
          والدَّسماء _بمهملتين والمد_، ضدُّ: النَّظيفة، وقد يكون ذلك لونها في الأصل، كذا ذكره الحافظ العسقلاني. وقال العينيُّ: هذا تفسيرٌ فيه بشاعة فلا ينبغي أن يفسِّر عصابة النَّبي صلعم بعدم النَّظافة. وقال الكرمانيُّ: ودسماء، قيل: المراد به: سوداء. ويقال: ثوبٌ دَسِيم؛ أي: وسخ. وجزم ابنُ الأثير أنَّ دسماء: سوداء. وفي «التوضيح»: والتَّقنُّع للرَّجل عند الحاجة مباح.
          وقال ابن وهب: سألت مالكاً عن التَّقنُّع بالثوب فقال: أمَّا الرَّجل الذي يجد الحرَّ والبرد، أو الأمر الَّذي فيه عذرٌ فلا بأس به، وأمَّا لغير ذلك فلا. وقال الأبهريُّ: إذا تقنَّع لدفع مضَرَّة فمباح، ولغيرها مكروهٌ فإنَّه من فعل أهل الريب، ويُكره أن يفعلَ شيئاً يظنُّ به الرِّيبة.
          (وَقَالَ أَنَسٌ) ☺: (عَصَّبَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ) وهذا أيضاً طَرَفٌ من حديث أخرجه في الباب المذكور في «مناقب الأنصار» من طريق هشام بن زيد بن أنس: / سمعتُ أنس بن مالك ☺ يقول، فذكر الحديث، وفيه: فخرج النَّبي صلعم وقد عَصَّبَ على رأسه حاشية بُرْدٍ [خ¦3799]. قوله: ((عصَّب)) بتشديد الصاد. وقال الجوهريُّ: حاشية البُرْد: جانبه. وقال القزَّاز: حاشيتا الثَّوب: ناحيتاه اللتان في طرفهما الهُدْب.
          وتعقَّب الإسماعيليُّ المصنِّف: بأنَّ ما ذكره من العصابة لا يدخل في التقنُّع؛ لأنَّ التقنُّع تغطيةُ الرأس، والعصابة شدُّ الخرقة على ما أحاطه بالعمامة. وأجاب عنه الحافظ العسقلاني: بأنَّ الجامع بينهما وضع شيءٍ زائد على الرأس فوق العمامة. وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ في كلٍّ من الاعتراض والجواب نظراً. أمَّا في الاعتراض فلأنَّ قوله: والعِصابة شدُّ الخرقة على ما أحاط بالعمامة، ليس كذلك، بل العِصابة شد الرأس بخرقة مطلقاً سواء كان فوق العمامة أو تحتها. وأمَّا في الجواب فلأنَّ قوله: زائد لا فائدة فيه، وكذلك قوله: فوق العمامة؛ لأنه يلزم منه أنها إذا كانت تحت العمامة لا تسمَّى عِصابة.