إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته

          4402- 4403- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ) أبو سعيدٍ الجعفيُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالخاء المعجمة والإفراد، ولأبي ذرٍّ ”حَدَّثني“ بالإفراد أيضًا (ابْنُ وَهْبٍ) عبدُ الله المصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بضم العين (أَنَّ أَبَاهُ) محمَّدَ بنَ زيدِ بنِ عبدِ الله بنِ عمر (حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ) أنَّه (قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ صلعم ) الواو للحال (بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَلَا) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”فَلا“ (نَدْرِي مَا حَجَّةُ الوَدَاعِ) أي: هل وداعُ النَّبيِّ صلعم أم غيره؟ حتَّى تُوفِّي صلعم ، فعلمُوا أنَّه ودَّعَ(1) النَّاس بالوصايا قرب موتهِ (فَحَمِدَ اللهَ) تعالى(2) (وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ ذَكَرَ المَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ) أي: أتَى بالبلاغةِ (فِي ذِكْرِهِ) بالذَّمِّ (وَقَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ) وللأَصيليِّ ”أنذرهُ أمَّتهُ“ (أَنْذَرَهُ نُوحٌ) قومهُ (وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ) أي: أنذروهُ أممهم، وعيَّن نوحًا لأنَّه آدم الثَّاني (وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ) أيُّها(3) الأمَّة المحمَّديَّة عند قربِ السَّاعةِ ويدَّعِي الرُّبوبيَّة فـ (ـمَا) شرطيَّةٌ، أي: إن (خَفِي عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ) أي: بعضُ شأنِه (فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ) بفتح همزة «أن» (عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا) و«ما»: بدل من «ما» السَّابقة(4)، أي: لا يخفَى أنَّه ليس ممَّا يخفى عليكُم (إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ) بالواو، أي: الدَّجَّال، وللأَصيليِّ وأبي الوقتِ ”أنَّه“ (أَعْوَرُ عَيْنِ اليُمْنَى) بإضافة أعورِ لِمَا(5) بعدهُ، من إضافةِ الموصوفِ إلى صفتهِ، وهذا ظاهرٌ عندَ الكوفيِّين، وقدَّرهُ البصريُّون: عين صفحة وجهه اليمنَى، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”العَينُ اليُمنَى“ (كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ) بالتحتية، أي: بارزةٌ.
          (أَلَا) بالتخفيف (إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ) أي: أنفسكُم (وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلَا) بالتخفيف (هَلْ بَلَّغْتُ) ما أُرسلتُ به؟ (قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ) قال ذلك القولَ (ثَلَاثًا. وَيْلَكُمْ _أَوْ: وَيْحَكُمُ_) بالشَّكِّ من الرَّاوي، والأولى كلمةُ توجُّع (انْظُرُوا، لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) أي: لا تكُن أفعالُكُم تشبهُ أفعالَ الكفَّارِ في ضربِ رقابِ المسلمين.
          وقال في «شرح المشكاة»: وقوله: «يضربُ بعضكُم رقابَ بعضٍ» جملةٌ مستأنفةٌ مبيِّنةٌ لقولهِ: «فلا ترجِعُوا بعدِي كفَّارًا» فينبغي أن يحملَ على العمومِ، وأن يقالَ: فلا يظلم بعضُكُم بعضًا، فلا تسفكُوا دماءكُم، ولا تهتِكُوا أعراضكُم، ولا تستبيحُوا أموالكُم، ونحوه في الإطلاقِ وإرادةِ العمومِ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا}[النساء:10].
          وهذا الحديثُ أخرجه في «الدِّيات» [خ¦6868] و«الأدب» [خ¦6166] و«الحدود» [خ¦6785]، ومسلمٌ / في «الإيمان»، وأبو داود في «السُّنة»، والنَّسائيُّ في «المحاربة»، وابن ماجه في «الفتن».


[1] في (ص) و(م): «وداع».
[2] «تعالى»: ليست في (س).
[3] في (ب): «أي».
[4] قال الشيخ قطة ☼ : ولا وجه له.
[5] في (ب) و(س): «إلى ما».