إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: خرجنا مع النبي عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين

          4321- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) هو الإمام (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ (عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ) بضم العين، المدنيِّ مولى أبي أيُّوب الأنصاريِّ، تابعيٌّ صغيرٌ، وثقه النَّسائيُّ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ) نافعِ بنِ عبَّاسٍ _بموحدة ومهملة، أو: بتحتية‼ ومعجمة_، الأقرعِ المدنيِّ (مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ) قيل لهُ ذلك للزومهِ، وكان مولى عقيلةَ الغفاريَّة (عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) الحارثِ بنِ رِبْعِيٍّ، وقيل: اسمه النُّعمان، فارسُ رسولِ الله صلعم ، أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ) ولأبي ذرٍّ ”معَ رسولِ الله“ ( صلعم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا التَقَيْنَا) مع المشركين (كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ) أي: لبعضهم غيرَ رسولِ الله صلعم ومن معه (جَوْلَةٌ) بالجيم، أي: تقدُّمٌ وتأخُّرٌ، وعبَّر بذلك احترازًا عن لفظِ الهزيمة (فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ المُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ) أي: أشرف على قتلهِ، ولم يسمّ الرَّجلان (فَضَرَبْتُهُ) أي: المشرك (مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ) أي: عصبَ عاتقهِ، عند موضع الرِّداء من العنق (بِالسَّيْفِ) ولأبي ذرٍّ ”بسيفٍ“ (فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ) الَّذي هو لابسهُ (وَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ المَوْتِ) أي: شدَّة كشدَّة الموت (ثُمَّ أَدْرَكَهُ المَوْتُ فَأَرْسَلَنِي) أي: أطلقني (فَلَحِقْتُ عُمَرَ) زاد أبو ذرٍّ ”ابن الخطَّاب“ (فَقُلْتُ) له: (مَا بَالُ النَّاسِ) منهزمين؟ (قَالَ: أَمْرُ اللهِ ╡) أي: هذا الَّذي أصابهم حكمُ اللهِ وقضاؤه (ثُمَّ رَجَعُوا) أي: المسلمين بعد الانهزام (وَجَلَسَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فجلسَ“ (النَّبِيُّ صلعم فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) أوقعَ القتلَ على المقتولِ باعتبار مآلِهِ، كقوله: {أَعْصِرُ خَمْرًا}[يوسف:36] (لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ) قال أبو قتادةَ: (فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي) بقتلِ ذلك الرَّجل؟ (ثُمَّ جَلَسْتُ، فقَالَ النَّبِيُّ صلعم مِثْلَهُ) أي: من قتل قتيلًا له عليه بيِّنة فله سلبه، وقوله: «فقال...» إلى آخره، ثابتٌ لأبي ذرٍّ (قَالَ) أبو قتادة(1): (ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلعم مِثْلَهُ، فَقُمْتُ)(2) وسقط لأبي ذرٍّ «قال / ، ثمَّ قال النَّبيُّ صلعم ...» إلى آخر «فقمت» (فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي(3)؟ ثُمَّ جَلَسْتُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلعم مِثْلَهُ، فَقُمْتُ، فَقَالَ) ╕ : (مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ؟) فَأَخْبَرْتُهُ بذلك (فَقَالَ رَجُلٌ) هو أسودُ بنُ خُزَاعِيٍّ(4) الأسلميُّ كما قاله الواقديُّ (صَدَقَ) يا رسول الله (وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ) بقطع الهمزة (مِنِّي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”منه“.
          (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ : (لَاهَا اللهِ) بقطع الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف «ها» وحذفها، فهي أربعة: النُّطق بلام بعد «ها» التَّنبيه من غيرِ ألفٍ ولا همزٍ، وبألفٍ من غير همزٍ، وبالألف وقطع الجلالةِ، وبحذف الألف وثبوت همزةِ القطعِ، والمشهور في الرِّواية: الأوَّل والثَّالث، أي: لا والله (إِذًا) بالتنوين وكسر الهمزة، ومباحث هذا بتمامها سبقت في «باب من لم يخمِّسِ الأسلاب» [خ¦3142]. وقال في «شرح المشكاة»: هو كقولك لمن قال لك: افعلْ كذا، فقلت: لا والله، إذًا لا أفعل، فالتَّقدير: إذًا (لَا يَعْمِدُ) بكسر الميم، أي: لا يقصدُ صلعم ‼ (إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ) بضم الهمزة وسكون السين في الثَّاني، أي: إلى رجُل كأنَّه أسدٌ في الشَّجاعة (يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلعم ) أي: بسببها (فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ) أي: سلبَ الَّذي قتله بغير طيبِ نفسه (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : صَدَقَ) أبو بكرٍ (فَأَعْطِهِ) بهمزة قطع.
          قال الحافظُ أبو عبدِ الله الحميديُّ الأندلسيُّ: سمعتُ بعضَ أهل العلمِ يقولُ عند ذكر هذا الحديث: لو لم يكنْ من فضيلةِ الصِّدِّيق ☺ إلَّا هذا، فإنَّه بثاقبِ علمه، وشدَّة صرامتهِ، وقوَّة إنصافهِ، وصحَّة توفيقهِ، وصدقِ تحقيقهِ بادرَ إلى القولِ الحقِّ، فزجرَ وأفتى، وحكمَ وأمضى، وأخبرَ في الشَّريعة عنه صلعم بحضرتهِ وبين يديهِ بما صدَّقه فيه، وأجراهُ على قوله، وهذا من خصائصهِ الكبرى، إلى ما لا يُحصى من فضائلهِ الأخرى.
          قال أبو قتادةَ: (فَأَعْطَانِيهِ) أي: السَّلب (فَابْتَعْتُ) أي: اشتريتُ (بِهِ مَخْرَفًا) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وبعد الراء فاء، أي: بستانًا (فِي بَنِي سَلِمَةَ) بكسر اللام، بطنٌ من الأنصار (فَإِنَّهُ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ ”وإنَّه“ (لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ) اقتنيتُهُ (فِي الإِسْلَامِ).
          وعند أحمدَ عن أنسٍ: أنَّ هوازنَ جاءت يومَ حُنين... فذكر القصَّة. قال: فهزمَ الله المشركين، فلم يُضربْ بسيفٍ، ولم يُطعنْ برُمْحٍ، وقال رسول الله صلعم يومئذٍ: «من قتلَ كافرًا فله سلبه» فقتل أبو طلحةَ يومئذ عشرين راجلًا وأخذ أسلابَهُم، وقال أبو قتادةَ: إنِّي قتلتُ(5) رجلًا على حبلِ العاتقِ وعليه درعٌ فأعجلتُ عنه. فقام رجلٌ فقال: أخذتها، فأرضه منها. وكان رسول الله صلعم لا يُسأل شيئًا إلَّا أعطاه أو سكتَ، فسكتَ فقال عمر: لا يفيئها اللهُ على أسدٍ من أُسْده ويعطيكَها.
          فقال النَّبيُّ صلعم : «صدقَ عُمر». وإسنادُ هذا الحديث أخرج به مسلم بعض هذا الحديث، وكذلك أبو داود، ولكن الرَّاجح: أنَّ الذي قال ذلك أبو بكرٍ _كما رواه أبو قتادة_ وهو صاحب القصَّة، فهو أتقنُ لما وقع فيها من غيره، ويمكن أن يجمعَ بأنْ يكون عمر أيضًا قال ذلك، تقويةً لقول أبي بكرٍ، قاله في «فتح الباري».
          وحديث الباب مرَّ في «باب من لم يخمِّس الأسلاب» من «الخمس» [خ¦3142].


[1] «أبو قتادة»: مثبت من (د).
[2] قوله: «ثُمَّ قال النبيُّ صلعم مِثلَه، فَقُمْتُ» سقط من (د).
[3] زيد في (د): «سقط لفظ: «فقمت» لأبي ذر».
[4] في (م): «خزاعة»، وفي (د): «خزاع».
[5] عند «أحمد»: «ضربتُ»، وهو الذي في «الفتح».