إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث البراء: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

          4315- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) أبو عبدِ الله العبديُّ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ ”أَخْبرنا“ (سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو بنِ عبدِ الله السَّبيعيِّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ) بنَ عازبٍ (وَجَاءَهُ رَجُلٌ) قال ابنُ حجرٍ: لم أقفْ على اسمهِ (فَقَالَ) له: (يَا أَبَا عُمَارَةَ) بضم العين وتخفيف الميم، كنية البراءِ (أَتَوَلَّيْتَ) أي: انهزمتَ (يَوْمَ حُنَيْنٍ؟) والهمزة للاستفهام (فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ ”قالَ“: (أَمَّا أَنَا فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ) لم ينهزم (وَلَكِنْ عَجِلَ) بكسر الجيم مخففًا (سَرَعَانُ القَوْمِ) بفتح السين المهملة والراء وقد تسكَّن، أوائلُهم الَّذين يسارعون إلى الشَّيء ويُقبلون(1) عليه بسرعةٍ (فَرَشَقَتْهُمْ) بالشين المعجمة والقاف، أي: رمَتْهُم (هَوَازِنُ) القبيلةُ المعروفةُ، وكانوا رماةً، وكان المسلمونَ قد حملوا على العدوِّ فانكشفوا، فأقبل المسلمون على الغنائمِ، فاستقبلهم هوازنُ ما يكاد يسقط لهم سهمٌ، فرشقوهُم رَشْقًا ما يكادون يخطؤون (وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الحَارِثِ) بنِ عبدِ المطَّلب ابنُ عمِّ النَّبيِّ صلعم (آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ) صلعم (البَيْضَاءِ) التي أهدَاها له فروةُ بنُ نُفَاثةَ على الصَّحيح حال كونه (يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ) فلا أنهزمُ؛ لأنَّ الله ╡ قد وعدَني بالنَّصر (أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ) فيه دليلُ جوازِ قول الإنسان في الحربِ: أنا فلانٌ وأنا ابنُ فلانٍ‼، أو مثل ذلك.
          وهذا الحديث قد سبق في «باب بغلة النَّبيِّ صلعم البيضاء» من «الجهاد» [خ¦2874].
          4316- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشامُ بنُ عبدِ الملكِ قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاجِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ، أنَّه قال: (قِيلَ لِلْبَرَاءِ) بنِ عازبٍ ☺ (وَأَنَا أَسْمَعُ: أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صلعم يَوْمَ حُنَيْنٍ؟) بصيغة الجمع في «أَوَلَّيْتُم» الشَّاملة لكلِّهم (فَقَالَ) البراءُ / مجيبًا للسَّائل بجوابٍ بديعٍ متضمِّن لإثباتِ الفرارِ لهم، لكن لا على جهة التَّعميم: (أَمَّا النَّبِيُّ صلعم فَلَا) أي: لم يفرَّ (كَانُوا) أي: هوازن (رُمَاةً) فرشقوا بالنَّبل رشقًا فولَّينا (فَقَالَ) النَّبيُّ صلعم وهو ثابتٌ لم يَبرح: (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ) أي: لست بكاذبٍ فيما أقولُ حتَّى أنهزمَ، بل أنا متيقِّنٌ بنصرِ الله ╡ (أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ) فانتسبَ إلى جدِّه دون أبيه عبد الله لشهرتهِ؛ لِمَا رُزِقَهُ من نباهةِ الذِّكر والسِّيادة وطولِ العمر، ولذا كان كثيرٌ من العرب يدعونه: ابنَ عبدِ المطَّلب، كما في قصَّة ضمامِ بنِ ثعلبةَ، وقد قيل: إنَّه اشتهر عندهم أنَّ عبدَ المطَّلب يخرجُ من ظهره رجلٌ يدعو إلى الله تعالى، فأرادَ صلعم أن يذكِّر أصحابهُ بذلك، وأنَّه لا بدَّ من ظهورهِ على أعدائهِ، وأنَّ العاقبةَ له؛ لتقوى به(2) نفوسُهم.


[1] في (م): «يصلون» وكتب على هامشه: في نسخة: «يقبلون».
[2] «به»: ليست في (ص) و(م).