إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

معلق ابن رجاء: أن النبي صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة

          4125- (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ رَجَاءٍ) الغُدَانيُّ البَصْريُّ، ممَّن سمع منه البُخاريُّ، فيما وصلَه السَّرَّاجُ أبو العبَّاس في «مسندهِ» المبوَّب، ولأبي ذرٍّ ”قال أبو عبدِ الله البُخاريُّ: وقال لي عبدُ الله بنُ رجاءٍ“: (أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ العَطَّارُ) ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ ”القطَّان“ بالقاف والنون، كما في الفَرْع وأصله(1)، وهو: ابنُ داوَرَ _بفتح الواو بعدها راء_ البَصري، صدوقٌ يَهم ورُمي برأي الخَوارجِ، ولم يخرِّج له البُخاريُّ إلَّا استشهَادًا (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) بالمثلثة (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بنِ عبدِ الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) الأنصَاريِّ ( ☻ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ‼ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي) حالةِ (الخَوْفِ) زاد السَّراج: «أربع ركعات، صلَّى بهم ركعتين ثمَّ ذهبوا، ثمَّ جاء أولئك فصلَّى بهم ركعتين» (فِي غَزْوَةِ) السَّفرة (السَّابِعَةِ) من غزواتهِ ╕ التي وقعَ فيهَا القِتال (غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ) بجرِّ «غزوة» بدلًا من سابقهِ.
          الأولى: بَدْر، والثَّانية: أُحد، والثَّالثة: الخَنْدق، والرَّابعة: قُرَيظة، والخامسة: المُرَيْسيع، والسَّادسة: خَيْبر. فيلزمُ أن تكون ذاتُ الرِّقاع بعد خَيْبر للتَّنصيصِ على أنَّها السَّابعة.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ممَّا(2) وصلهُ النَّسائيُّ والطَّبرانيُّ: (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم ) يعني: صلاةَ (الخَوْفَ بِذِي قَرَدٍ) بفتح القاف والراء، موضعٌ على نحو يومٍ من المدينةِ ممَّا يلي غَطفان.
          4126- (وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ) بسكون الكاف، و«سَوَادة» بفتح السين والواو المخففة، الجُذَاميُّ _بالجيم المضمومة والذال المعجمة المفتوحة_ أحدُ فقهاءِ مِصر، وليسَ لهُ في البُخاريِّ سوَى هذا الحديث المعلَّق، وقد وصلَه سعيدُ بنُ منصورٍ (حَدَّثَنِي) بالإفراد (زِيَادُ بْنُ نَافِعٍ) التُّجيبيُّ المصريُّ التَّابعيُّ الصَّغيرُ، وليسَ له في البُخاريِّ إلَّا هذا (عَنْ أَبِي مُوسَى) عليِّ بنِ رَباح اللَّخميِّ التَّابعي، أو هو مالكُ بن عُبَادة الغَافقيُّ الصَّحابيُّ المعروف(3)، أو هو مصريٌّ لا يُعرف اسمه، وليس له إلَّا هذا الموضع (أَنَّ جَابِرًا) هو ابنُ عبدِ الله الأنصاريَّ (حَدَّثَهُمْ) فقال: (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم بِهِمْ) أي: بأصحابهِ (يَوْمَ مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ) بواو العطف، وهو الصَّواب كما مرَّ [خ¦64/31-6067] وهي غزوةُ ذاتِ الرِّقاع.
          4127- (وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ) محمَّد صاحبُ «المَغازي»: (سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ) بفتح الكاف، يقول: (سَمِعْتُ جَابِرًا) يقول: (خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ) بالنون والخاء المعجمة، موضعٌ من نَخل(4) أراضِي غَطفان. قال الزَّركشيُّ: اشتُهر على الألسِنة صرفه، قال البَكريُّ: لا ينصرِف. قال في «المصابيح»: فإن أراد تحتُّمَ منع الصَّرف فيهِ فليسَ كذلك ضرورة أنَّه ثلاثيٌّ ساكِن الوسَط، وإن أرادَ أنَّه لا ينصَرف جوازًا فمسلَّم، وعلى كلِّ تقديرٍ فلا يَرِدُ على ما اشتَهر على الألسنَة من صرفهِ، وغَفَل من قالَ: إنَّ المُراد نخلَ المدينة (فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صلعم رَكْعَتَي الخَوْفِ) بالنَّاس.
          قال في «فتح الباري»: هذا الذي ساقَه عن ابنِ إسحاق لم أرهُ هكذا في شيءٍ من كتبِ المغازي ولا غيرها، والذي في «السِّير تهذيب ابن هشامٍ»، وقال ابنُ إسحاقٍ: حدَّثني وهبُ بن كيسان، عن جابرِ بنِ عبد الله قال: «خرجتُ مع النَّبي صلعم إلى غزوةِ ذاتِ الرِّقاع من نخلٍ على جملٍ لي صعب...» فساق قصَّة الجمل. وكذا أخرجه أحمدُ من طريقِ إبراهيمَ بنِ سعدٍ عن ابنِ إسحَاق. وقالَ ابنُ إسحاق قبل ذلك: «وغزا نجدًايريدُ‼ بنِي مُحارب وبنِي ثَعلبة من غَطفان، حتَّى نزَل نخلًا _وهي غزوةُ ذاتِ الرِّقاع_، فلقِي به جمعًا من غَطفان، فتقارَب النَّاس ولم يكن بينَهم حربٌ، وقد أخافَ النَّاسُ بعضُهم بعضًا، حتَّى صلَّى رسول الله صلعم بالنَّاس صلاةَ الخَوف، وانصرفَ النَّاسُ». وهذا القدر هو الذي ذكرَه البُخاريُّ تعليقًا، مدرَجًا بطريقِ وهَب بن كيسان، عن / جابرٍ، وليسَ هو عندَ ابنِ إسحاقَ عن وَهْب، كما أوضحتُه، إلَّا أن يكونَ البُخاريُّ اطَّلع على ذلك من وجهٍ آخر لم نقفْ(5) عليه، أو وقعَ في النُّسخة تقديمٌ وتأخيرٌ فظنَّه موصُولًا بالخبرِ المسندِ، والله أعلم. انتهى.
          (وَقَالَ يَزِيدُ) بنُ أبي عُبيد مولى سَلَمة بنِ الأكوع (عَنْ سَلَمَةَ) بنِ الأكوع: (غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلعم يَوْمَ القَرَدِ) وهذا وصلَه المؤلِّف قبل «غزوةِ خَيبر» وترجم له بقوله(6): «غزوة ذي قَرَد» [خ¦64/37-6127]. وهي الغزوة التي أغاروا فيها على لقاحِ رسولِ الله صلعم ، وإنَّما ذكره من أجلِ حديث ابن عبَّاس السَّابق، وأنَّه صلعم صلَّى صلاة الخَوف بذي قَرَدٍ، ولا يلزمُ من ذكر ذي قَرَد في الحديثَين أن تتَّحد القصَّة، كما لا يلزمُ من كونِه ╕ صلَّى صلاة الخوف في مكانٍ أنْ لا يكون صلَّاها في مكانٍ آخر. قال البيهقيُّ: الذي لا نشكُّ فيه أنَّ غزوة ذي قَرَدٍ كانت بعد الحديبيَةَ وخَيبر، وحديثُ سلمةَ ابنِ الأكوع مصرِّحٌ بذلك، وأمَّا غزوةُ ذاتِ الرِّقاع فمختلفٌ فيها، فظهرَ تغايرٌ بينَ(7) القصَّتين، كما جزمَ به قبلُ. قاله في «فتح الباري»، فالَّذي جنحَ إليه البُخاريُّ أنَّها كانت بعد خيبرَ، مُستدلًا بما ذكره(8)، لكنَّه ذكرهَا قبل خَيْبر، فإمَّا أن يكون ذلك من الرُّواة عنه، أو إشارةً إلى احتمالِ أن تكون ذات الرِّقاع اسمًا لغزوتَين مختلفتَين، كما أشارَ إليهِ البيهقيُّ.


[1] «وأصله»: ليس في (م).
[2] في (ص): «فيما».
[3] «المعروف»: ضرب عليها في (م)، وفي (د): «صحابيٌّ معروف».
[4] «نخل»: ليست في (س).
[5] في (د): «نقع» وقال في الهامش في نسخة: «نقف».
[6] «بقوله»: ليس في (ص) و(د).
[7] «بين»: ليست في (ب) و(د).
[8] في (ب) و(د): «ذكر».