إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن النبي بعث خاله أخ لأم سليم في سبعين راكبًا

          4091- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المنقريُّ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم، ابنُ يحيى بن دينارٍ البَصريُّ (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (أَنَسٌ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم بَعَثَ خَالَهُ) أي: خالَ أنسٍ؛ حَرام بن مِلحان (أَخٌ) أي: وهو أخٌ، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”أخًا“ بالنَّصب بدلًا من‼ قولهِ: «خاله» (لأُمِّ سُلَيْمٍ) أمِّ أنسٍ (فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا) إلى بني عامرٍ (وَكَانَ) سببَ البعثِ أنَّه كان (رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء، ابنِ مالك بنِ جعفرِ بنِ كلابٍ، وهو ابنُ أخي أبي براءٍ عامر بن مالكٍ، وكان (خَيَّرَ) هو النَّبيَّ صلعم لمَّا أتاهُ (بَيْنَ ثَلَاثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ) بفتح المهملة وسكون الهاء، سكَّانُ البَوادي (وَلِي أَهْلُ المَدَرِ) بفتح الميم والدال المهملة بعدها راء، أهلُ البلاد (أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ) بالغين المعجمة والطاء المهملة والفاء المفتوحات، قبيلةٌ (بِأَلْفٍ) أي: أشقر (وَأَلْفٍ) أي: أحمر، فقال ╕ : «اللَّهمَّ اكفِني عامِرًا» (فَطُعِنَ عَامِرٌ) أي: ابنُ الطُّفيل المذكُور، أي: أصابَه الطَّاعون (فِي بَيْتِ أُمِّ فُلَانٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ) بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة (كَغُدَّةِ البَكْرِ) بفتح الموحدة وسكون الكاف، الفَتيِّ من الإبلِ (فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلَانٍ) أي: من آلِ سَلُول، كما عندَ الطَّبراني، وهي سلولُ بنتُ شَيْبان، وزوجها مرَّة بن صَعْصعة، أخو عامر بن صَعْصعة يُنسَب بنوهُ إليها، ولأبي ذرٍّ ”من آلِ بنِي فلانٍ“ (ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ) قال الدَّاوديُّ: وكانت هذهِ من حماقاتِ عامرٍ، فأماتَه اللهَ بذلك ليُصَغِّر إليهِ نفسه.
          (فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ) الَّذي بعثهُ ╕ (وهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ) آخر (مِنْ بَنِي فُلَانٍ) في الفَرْع ”هو“، على كشطٍ بإسقاط الواو، وثبتَ في غيرِه(1)، وهي واو الحال، و«الأعرجُ» صفةٌ لحَرَام، وليس كذلك بل الأعرجُ غيرُه، فالصَّواب: هو ورجلٌ أعرج. قال في «المصابيحِ»: وكذَا ثبتَ في بعضِ النُّسخ، فلعلَّ الواو قدِّمت سهوًا في الرِّواية الأولى، وعندَ البيهقيِّ من روايةِ عثمان بن سعيدٍ عن موسَى بنِ إسماعيلَ _شيخ المؤلِّف فيه_: «فانطلق حَرَام ورجُلان معهُ، رجلٌ أعرَجٌ ورجلٌ من بَني فُلان» وعند ابنِ هشامٍ في زياداتِ «السِّير»: أنَّ الأعرج اسمهُ: كعبُ بن زيد، وهو من بني دينارِ بنِ النَّجَّار، واسمُ الآخرِ: المنذرُ بنُ محمَّدِ بنِ عقبةَ بنِ أُحَيْحَة بن الجُلاح الخَزرجيُّ (قَالَ) حرَامٌ للرَّجلِ الأعرجِ، وللآخرِ الَّذي من بني فلان: (كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ) أي: بَني عامرٍ (فَإِنْ آمَنُونِي) بفتح الهمزة الممدودة والميم المخففة (كُنْتُمْ قريبًا) منِّي (وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ) فخرجَ إليهم (فَقَالَ) لهم: (أَتُؤْمِنُونِي) ولأبي ذرٍّ ”أتؤمِّنُونني“ أي: أتعطونَني الأمانَ (أُبَلِّغْ) بالجزمِ جواب الاستفهام (رِسَالَةَ رَسُولِ اللهِ صلعم ؟ فَجَعَلَ) حرَام (يُحَدِّثُهُمْ، وَأَوْمَئُوا) بالواو، ولأبي ذرٍّ ”فأومَؤوا“ أي: أشاروا (إِلَى رَجُلٍ، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ) أي: ابنُ يحيى بنِ دينارٍ: (أَحْسِبُهُ) أي: أظنُّه (حَتَّى أَنْفَذَهُ) بالذال المعجمة، أي: أنفذَه‼ من الجانبِ(2) الآخرِ (بِالرُّمْحِ).
          قال في «الفتحِ»: لم أعرفْ اسمَ الرَّجل الَّذي طعنَه، ووقع في «السِّيرة» لابن إسحاق: ما ظاهرهُ أنَّه عامِرُ بنُ الطُّفيل؛ لأنَّه قال: فلمَّا نزلُوا _أي: الصَّحابة_ بئرَ معونة بعثُوا حرام بن مِلحان بكتابِ رسول الله صلعم إلى عامِر بنِ الطُّفيل، فلمَّا أتَاه لم ينظُر في كتابهِ حتَّى عدا عليهِ فقتلَهُ. انتهى.
          (قَالَ) حَرَام لَمَّا طُعِن: (اللهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ) بالشَّهادة (وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ) الذي هو رفيقُ حَرامٍ، فلم يمكِّنوه أن يرجِعَ إلى المسلمين، بل لحقَه المشركُون فقتلُوه وقتلُوا أصحابَه كما قالَ (فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ) الرَّجل (الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ) تعالى (عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ) تلاوةً، والجملةُ معترضَة بين قولهِ: «فأنزلَ اللهُ علينا» وبين قوله: (إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا، فَدَعَا / النَّبِيُّ صلعم عَلَيْهِمْ) لمَّا بلغَه خبرهُم (ثَلَاثِينَ صَبَاحًا) في القنوتِ (عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَـِحْـيَانَ وَعُصَيَّةَ الَّذِينَ عَصَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ صلعم ) وإنَّما شَرَك بين القاتلين هنا وبين غيرهم في الدُّعاء؛ لورودِ خبرِ بئرِ مَعُونة وأصحابِ الرَّجيع في ليلةٍ واحدةٍ، كما مرَّ قريبًا [خ¦4090].
          ونقلَ العينيُّ عن «كتاب شرف المصطفى»: أنَّه صلعم لمَّا أصيبَ أهلُ بئرِ مَعُونة جاءتِ الحُمَّى إليه، فقال لها: «اذهَبي إلى رِعلٍ وذَكوانَ وعُصيَّةَ عصَت الله ورسوله» فأتتهُم، فقتلَتْ منهم سبع مئَة رجلٍ، بكلِّ رجلٍ من المسلمين عَشَرة.
          وحديثُ البابِ قد مرَّ في «باب من يُنْكَبُ في سبيلِ الله»، من «كتابِ الجِهاد» [خ¦2801].


[1] في (م): «غير اليونينية».
[2] في (ب) و(د) زيادة: «إلى الجانب».