إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه

          1385- وبه قال: (حَدَّثَنَا آدَمُ) بن أبي إياسٍ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ) محمَّد بن عبد الرَّحمن (عَنِ) ابن شهابٍ (الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلعم : كُلُّ مَوْلُودٍ) من بني آدم (يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ) الإسلاميَّة (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ) بفتح الميم والمثلَّثة (تُنْتَجُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول‼، أي: تلد (البَهِيمَةَ) سليمةً (هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ؟) بفتح الجيم وإسكان الدَّال المهملة والمدِّ: مقطوعةُ الأذن، وإنَّما يجدعها أهلها، وفيه إشعارٌ بأنَّ أولاد المشركين في الجنَّة، فصدَّر المؤلِّف الباب بالحديث الدَّالِّ على التَّوقُّف حيث قال فيه: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ثمَّ ثنَّى بهذا الحديث المرجِّح لكونهم في الجنَّة، ثمَّ ثلَّث بالحديث اللَّاحق المصرِّح بذلك، حيث قال فيه: «وأمَّا الصِّبيان حوله؛ فأولاد النَّاس» [خ¦1386] وهو عامٌّ يشمل أولاد المسلمين وغيرهم، وقد اختلف في هذه المسألة فقيل: إنَّهم في مشيئة الله، ونقله البيهقيُّ في «الاعتقاد» عن الشَّافعيِّ في أولاد الكفَّار خاصَّةً، وليس عن مالكٍ شيءٌ منصوصٌ في ذلك. نعم؛ صرَّح أصحابه بأنَّ أطفال المسلمين في الجنَّة، وأطفال الكفَّار خاصَّة في المشيئة، وقيل: إنَّهم تبعٌ لآبائهم، فأولاد المسلمين في الجنَّة وأولاد الكفَّار في النَّار، وقيل: إنَّهم في البرزخ بين الجنَّة والنَّار؛ لأنَّهم لم يعملوا حسناتٍ يدخلون بها الجنَّة، ولا سيِّئاتٍ يدخلون بها النَّار، وقيل: إنَّهم خدم أهل الجنَّة؛ لحديث أبي داود وغيره عن أنسٍ، والبزَّار(1) من حديث سَمُرة مرفوعًا: «أولاد المشركين خدم أهل الجنَّة» وإسناده ضعيفٌ، وقيل: يصيرون ترابًا، وقيل: إنَّهم في النَّار، حكاه عياضٌ عن الإمام أحمد، وغلَّطه ابن تيمية بأنَّه قولٌ لبعض أصحابه، ولا يُحفَظ عن الإمام شيءٌ أصلًا، وقيل: إنَّهم يُمتحنون في الآخرة بأن يرفع الله لهم نارًا، فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، ومن أبى عُذِّبَ، أخرجه البزَّار من حديث أنسٍ وأبي سعيدٍ، وأخرجه الطَّبرانيُّ من حديث معاذ بن جبلٍ. وتُعقِّب بأنَّ الآخرة ليست دار تكليفٍ، فلا عمل / فيها ولا ابتلاء، وأُجِيبَ بأنَّ ذلك بعد أن يقع(2) الاستقرار في الجنَّة أو النَّار، وأمَّا في عرصات القيامة فلا مانع من ذلك، وقد قال تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}[القلم:42] وقيل: إنَّهم في الجنَّة، قال النَّوويُّ: وهو الصَّحيح المختار الَّذي صار إليه المحقِّقون؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء:15]، وقيل بالوقف، والله أعلم(3).


[1] في (ص): «للبزَّار».
[2] في (ص): «ذلك يقع بعد».
[3] قوله: «ثمَّ ثلَّث بالحديث اللَّاحق المصرِّح بذلك،... وقيل: بالوقف، والله أعلم»، سقط من (م).