إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي

          1351- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهدٍ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي الوقت: ”حدَّثنا“ (بِشْرُ بْنُ المُفَضَّلِ) بكسر الموحَّدة وسكون المعجمة في الأوَّل، وضمِّ الميم وفتح الفاء وتشديد الضَّاد المعجمة في الآخر، قال: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَطَاءٍ) هو ابن أبي رباحٍ (عَنْ جَابِرٍ) هو ابن عبد الله ( ☺ ) كذا(1) أخرجه المؤلِّف عن مسدَّدٍ، عن بشر بن المفضَّل، عن حسينٍ، إلَّا أبا عليِّ ابن السَّكَن وحده فإنَّه قال في روايته(2): ”عن(3) شعبة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابرٍ“ ، وأخرجه أبو نُعيمٍ من طريق أبي الأشعث، عن بشر بن المفضَّل فقال: عن(4) سعيد بن يزيد(5)، عن أبي نضرة، عن جابرٍ، وقال بعده: ليس أبو نضرة من شرط البخاريِّ، قال: وروايته عن حسينٍ عن عطاءٍ عزيزةٌ جدًّا، وأخرجه أبو داود وابن سعدٍ والحاكم والطَّبرانيُّ من طريقه، عن أبي نَضْرة، عن جابرٍ، وأبو نضرة هو المنذر بن مالكٍ العبديُّ، ولفظ رواية أبي داود: حدَّثنا سليمان بن حربٍ: حدَّثنا حمَّاد بن زيدٍ، عن سعيد بن يزيد، عن أبي نضرة، عن جابرٍ قال: دُفِنَ مع أبي رجلٌ، وكان في نفسي من ذلك حاجةٌ، فأخرجته بعد ستَّة(6) أشهرٍ، فما أنكرت منه(7) شيئًا إلَّا شعراتٍ كنَّ في لحيته ممَّا يلي الأرض (قَالَ) جابر: (لَمَّا حَضَرَ أُحُدٌ) أي: وقعته في سنة ثلاثٍ من الهجرة (دَعَانِي أَبِي) عبد الله (مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: مَا أُرَانِي) بضمِّ الهمزة، أي: ما أظنُّني، أي: ما أظنُّ نفسي (إِلَّا مَقْتُولًا فِي أَوَّلِ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم ) وفي «المستدرك» للحاكم، عن الواقديِّ: أنَّ سبب ظنِّه ذلك منامٌ رآه، وذلك أنَّه رأى مُبَشِّر بن عبد المنذر(8)، وكان ممَّن استُشهِدَ ببدرٍ يقول له: أنت قادمٌ علينا في هذه الأيَّام، فقصَّها على النَّبيِّ صلعم ، فقال: «هذه شهادةٌ» (وَإِنِّي لَا أَتْرُكُ بَعْدِي أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ، غَيْرَ نَفْسِ رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَإِنَّ عَلَيَّ) بالفاء، ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”وإنَّ عليَّ“ (دَيْنًا فَاقْضِ) بحذف ضمير المفعول وفي رواية الحاكم: «فاقضه» (وَاسْتَوْصِ) أي: اطلب الوصيَّة(9) (بِأَخَوَاتِكَ خَيْرًا) وكان له تسع أخواتٍ (فَأَصْبَحْنَا، فَكَانَ) / أبي (أَوَّلَ قَتِيلٍ) قُتِلَ ودُفِنَ(10) (وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ) هو عمرو بن الجموح بن زيدٍ الأنصاريُّ، وكان صديق عبد الله والد جابرٍ، ولأبي ذَرٍّ: ”ودَفنْتُ“ بفتح الدَّال، أي: دفنته ودفنت معه رجلًا آخرَ، بالنَّصب على المفعول(11) (فِي قَبْرٍ) واحدٍ، ولأبوي الوقت وذَرٍّ: ”في قبره“ (ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ) «أَنْ» مصدريَّةٌ، أي: لم تطب نفسي بتركه (مَعَ الآخَرِ)‼ وهو عمرو بن الجموح _كما مرَّ_ ولأبي الوقت: ”مع آخر“ بالتَّنكير(12) (فَاسْتَخْرَجْتُهُ) من قبره (بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) من يوم دفنه (فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ) فيه (هُنَيَّةً) بضمِّ الهاء وفتح النُّون وتشديد المثنَّاة التَّحتيَّة، قال في «القاموس»: مصغَّرة: هَنَة، أي: شيءٌ يسيرٌ، قال: ويُروَى بإبدال الياء هاءً(13) (غَيْرَ أُذُنِهِ) قال في «المشارق»: كذا في رواية أبي ذرٍّ والجُرجَانيِّ والمِرْوَزيِّ: ”هُنية غير أذنه“ بالتَّقديم والتَّأخير _وهو تغييرٌ_ وصوابه: ما جاء في رواية ابن السَّكن والنَّسفيِّ: «غير هُنيَّةٍ في أذنه» بتقديم «غير» وزيادة «في»، لكن حكى السَّفاقسيُّ: أنَّ بعضهم ضَبَطَه «هَيْئَتَهُ» بفتح الهاء وسكون التَّحتيَّة بعدها همزةٌ ثمَّ مثنَّاةٌ فوقيَّةٌ منصوبةٌ ثمَّ هاءُ الضَّمير، أي: على حالته، قال: وبعضهم ضَبطَه بضمِّ الهاء ثمَّ الياء المشدَّدة تصغير «هنا» أي: قريبًا، قال في «المصابيح»: وهو وجهٌ يستقيم الكلام به، ولا تقديم ولا تأخير. انتهى. وقوله: هو مبتدأٌ، خبره «كيوم وضعته»، والكاف بمعنى: المِثْل، و«اليوم» بمعنى: الوقت، وانتصاب «هُنَيَّةً» على الحال، والمعنى: استخرجت أبي من قبره، فإذا هو مثل الوقت الَّذي وضعته فيه، لم يتغيَّر فيه شيءٌ(14) غير شيءٍ يسير ٍفي أذنه، أسرع إليه البلاء، فتغيَّر عن(15) حاله، وقد أخرجه ابن السَّكن من طريق شعبة، عن أبي مسلمة(16) بلفظ: غير أنَّ طرف أذن أحدهم تغيَّر، ولابن سعدٍ من طريق أبي هلالٍ عن أبي مسلمة: إلَّا قليلًا من شحمة أذنه، ولأبي داود من طريق حمَّاد بن زيدٍ عن أبي مسلمة: إلَّا شعيراتٍ(17) كنَّ في(18) لحيته ممَّا يلي الأرض، ويُجمَع بين هذه الرِّواية وغيرها بأنَّ المراد: الشُّعيرات الَّتي تتَّصل بشحمة الأذن، ووقع في رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”كيوم وضعته هنية عند أذنه“ بلفظ: «عند» بالدَّال بدل «غير»، لكن يبقى في الكلام نقصٌ، ويبيِّنه(19) ما في رواية(20) ابن أبي خيثمة(21) والطَّبرانيِّ من طريق غسَّان بن مُضر(22) عن أبي مسلمة بلفظ: وهو كيوم دفنته إلَّا هُنَيَّةً عند أذنه، وعند أبي نُعيمٍ من طريق أبي(23) الأشعث: غير هنيَّةٍ عند أذنه، فجمع بين لفظ «غير» ولفظ: «عند» وفي «الكواكب» وفي بعضها: ”هيئة“ بالهمزة، أي: صورةٌ(24).


[1] في (د): «هذا».
[2] في (م): «رواية».
[3] «عن»: ليس في (د) و(ص) و(م).
[4] قوله: «عن» مستدرك من «الفتح».
[5] زيد في (د): «البخاري»، وليس بصحيحٍ.
[6] في غير (د): «سبعة»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[7] في (د): «أنكرت فيه»، وفي (ص): «أنكر منه».
[8] في (م): «بن عبد الله المنذري»، وليس بصحيحٍ.
[9] في (ص) و(م): «الوصل»، وليس بصحيحٍ.
[10] «ودُفِنَ»: ليس في (د).
[11] في (د): «المفعوليَّة».
[12] قوله: «ولأبي الوقت: مع آخر بالتَّنكير»، جاء وقع في (د) و(م) سابقًا بعد قوله: «مصدريَّة»، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[13] «قال ويُروى بإبدال الياء هاء»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[14] «شيء»: ليس في (ب).
[15] في (ص): «من».
[16] في (د) و(س): «سلمة»وهو تحريف.
[17] في (ص): «شَعْرات»، وكذا الموضع اللَّاحق.
[18] في غير (د) و(م): «مِن».
[19] في (د): «وبيَّنه».
[20] في (ب): «مارواه».
[21] في غير (د) و(س): «خثيمة»، وهو تصحيفٌ.
[22] في (س): «نصر»، وفي (د): «نضر»، وكلاهما تحريفٌ.
[23] قوله: «أبي» مستدرك من الفتح: وسبق ذكر طريقه.
[24] قوله: «وفي الكواكب وفي بعضها: هيئة؛ بالهمزة، أي: صورةٌ»، سقط من (م).