إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت

          1280- وبه قال: (حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ) بضمِّ الحاء وفتح الميم، عبد الله بن الزُّبير القرشيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال(1): (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأمويُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) بضمِّ الحاء، أبو أفلح، بالفاء والحاء المهملة (عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ) ولأبي ذَرٍّ: ”بنت“ (أَبِي سَلَمَةَ) عبد الله بن عبد الأسد المخزوميَّة، ربيبة النَّبيِّ صلعم ، أمُّها أمُّ المؤمنين: أمُّ سلمة (قَالَتْ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ) بسكون العين وتخفيف المثنَّاة، ولأبي ذَرٍّ: ”نعِيُّ“ بكسر العين وتشديد المثناة(2)، أي: خبر موت (أَبِي سُفْيَانَ) صخر بن حربٍ (مِنَ الشَّأْمِ) قال في «الفتح»: فيه نظرٌ؛ لأنَّ أبا سفيان مات بالمدينة بلا خلافٍ(3) بين العلماء بالأخبار، والجمهور على أنَّه مات سنة اثنتين وثلاثين، وقيل: سنة ثلاثٍ، قال: ولم أرَ في شيءٍ من طرق هذا الحديث تقييده بذلك إلَّا في رواية سفيان بن عيينة هذه، وأظنُّها وهمًا، وعند ابن أبي شيبة، عن حُميد(4) بن نافعٍ: جاء نعيٌ لأخي أمِّ حبيبة، أو حميمٍ لها... الحديث، فلا مانع من التَّعدُّد (دَعَتْ) بنت أبي سفيان (أُمُّ حَبِيبَةَ) رملة أمُّ المؤمنين ( ♦ بِصُفْرَةٍ) نوعٍ من الطِّيب، فيه صفرةٌ (فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، فَمَسَحَتْ عَارِضَيْهَا) هما جانبا الوجه فوق الذَّقن إلى ما تحت الأذن (وَذِرَاعَيْهَا، وَقَالَتْ: إِنِّي كُنْتُ عَنْ هَذَا لَغَنِيَّةً) فيه إدخالُ لام الابتداء على خبر «كان» الواقعة خبرًا لـ «إنَّ» (لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) نفيٌ بمعنى: النَّهي على سبيل التَّأكيد (أَنْ تُحِدَّ) بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه (عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ) أي: ثلاث ليالٍ؛ كما جاء مصرَّحًا به في روايةٍ، والوصف بالإيمان فيه إشعارٌ بالتَّعليل، فإنَّ من آمن بالله ولقائه(5) لا يجترئ على مثله من العظائم (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَيْهِ) وجوبًا للإجماع على إرادته(6) (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) من الأيَّام بلياليها، سواءٌ في ذلك الصَّغيرة والكبيرة، والمدخول بها وذات الأقراء وغيرهما، وكذا الذِّمِّيَّة، وتقييد المرأة في الحديث بالإيمان بالله واليوم الآخر جرى على الغالب، فإنَّ الذِّمِّيَّة كذلك، ومثلها فيما يظهر المعاهدةُ والمستأمنة، وهذا مذهب الشَّافعيَّة والجمهور، وقال أبو حنيفة وغيره من الكوفيِّين، وأبو ثورٍ، وبعض المالكيَّة: لا يجب على الزَّوجة الكتابيَّة، بل يختصُّ بالمسلمة؛ لقوله: «تؤمن بالله(7)...» إلى آخره، وقد خالف أبو حنيفة قاعدته هنا(8) في(9) إنكاره المفاهيم، وكذا التَّقييد بالأربعة(10) أشهر وعشرٍ، خرج على غالب المعتدَّات، وإلَّا فالحامل بالوضع، وعليها الإحداد، سواءٌ قصرت المدَّة أو طالت.
          ورواته الثَّلاثة الأُوَل مكِّيُّون والرَّابع مدنيٌّ، وفيه التَّحديث، والإخبار، والعنعنة، والقول.


[1] «قال»: مثبتٌ من (د) و(س).
[2] في (د): «التَّحتيَّة».
[3] في (ب) و(د) و(س): «اختلاف».
[4] في (د): «حمَّاد»، وليس يصحيحٍ.
[5] في (ص) و(م): «بعقابه».
[6] في (م): «بضم أوَّله وكسر ثانيه» بدلٌ من قوله: «وجوبًا للإجماع على إرادته».
[7] اسم الجلالة: «الله» مثبتٌ من (ص).
[8] «هنا»: ليس في (ب).
[9] في (د): «على»، وليس بصحيحٍ.
[10] في (ب) و(س): «بأربعة».