إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة

          7560- وبه قال: (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) بضمِّ الهاء وسكون الدَّال المهملة، القيسيُّ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن يحيى العوذيُّ قال: (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) بن دعامة قال: (حَدَّثَنَا أَنَسٌ) هو ابن مالكٍ (عَنْ أَبِي مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريِّ ( ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ) بضمِّ الهمزة والرَّاء بينهما فوقيَّةٌ ساكنةٌ وتشديد الجيم، ويُقال(1): الأُتْرُنْجَة _بالنُّون_ والتُّرُنْجَة وتُرُنْج (طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ) وجرمها كبيرٌ ومنظرها حسنٌ؛ إذ هي صفراء فاقعٌ لونها تسرُّ النَّاظرين، وملمسها ليِّنٌ تتوق(2) إليها النَّفس قبل‼ تناولها، تفيد آكلها بعد الالتذاذ بمذاقها طيب نكهةٍ ودباغ معدةٍ وقوَّة هضمٍ، اشتركت الحواسُّ الأربعة _البصر والذَّوق والشَّمُّ واللَّمس_ في الاحتظاء بها، ثمَّ إنَّها في أجزائها تنقسم إلى طبائع، فقشرها حارٌّ يابسٌ ويمنع السُّوس من الثِّياب، ولحمها حارٌّ رطبٌ، وحامضها باردٌ يابسٌ، وتُسكّن(3) غلمة النِّساء، وتجلو(4) اللَّون والكلف، وبزرها حارٌّ مُجفَّفٌ، وفيها من المنافع غير ذلك ممَّا ذكره الأطبَّاء في كتبهم، فهي أفضل ما وُجِد من الثِّمار في سائر البلدان، وقال المظهريُّ: المؤمن الذي يقرأ هكذا من حيث الإيمان في قلبه ثابتٌ طيِّب الباطن، ومن حيث إنَّه يقرأ القرآن، ويستريح النَّاس بصوته، ويُثابون بالاستماع إليه، ويتعلَّمون منه، مثل الأترجَّة يستريح النَّاس برائحتها (وَ) المؤمن (الَّذِي) ولأبي الوقت(5): ”ومثل الذي“ (لَا يَقْرَأُ) القرآن (كَالتَّمْرَةِ) بالمثنَّاة الفوقيَّة وسكون الميم (طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا) وقوله: «يقرأ القرآن» على صيغة المضارع، ونفيه في قوله: «لا يقرأ» ليس المراد منها(6) حصولها مرَّةً ونفيها بالكلِّيَّة، بل المراد منها: الاستمرار والدَّوام عليها(7)، وإنَّ القراءة دأبه عادته وليست(8) من هجيراه كقوله: فلانٌ يقري الضَّيف ويحمي الحريم (وَمَثَلُ الفَاجِرِ) أي: المنافق (الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ) شبَّهه(9) بالرَّيحانة لأنَّه لم ينتفع ببركة القرآن، ولم يفُزْ بحلاوة أجره، فلم يجاوز الطِّيب موضع الصَّوت وهو الحلق، ولا اتَّصل بالقلب، وهؤلاء الذين يمرقون من الدِّين، قاله ابن بطَّالٍ (وَمَثَلُ الفَاجِرِ) أي(10): المنافق (الَّذِي لَا يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ(11) الحَنْظَلَةِ) هي معروفةٌ(12)، وتسمَّى في بعض البلاد ببِطِّيخ أبي جهلٍ (طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا) نافعٌ، وفيه _كما قال ابن بطَّالٍ_: أنَّ قراءة الفاجر والمنافق لا تُرفَع إلى الله، ولا تزكو عنده، وإنما يزكو عنده(13) ما أريد به وجهه.
          ورجال هذا الحديث كلُّهم بصريُّون، وفيه رواية الصَّحابيِّ عن الصَّحابيِّ، وسبق في «فضائل القرآن» [خ¦5020].


[1] «يقال»: مثبتٌ من (ب) و(س).
[2] في (د): «تشوق»: ليس في (د).
[3] في غير (ب) و(س): «ويسكن».
[4] في (ص) و(ع): «ويجلو».
[5] في (د): «ولأبوي الوقت وذرٍّ».
[6] في (ب) و(س): «منهما»، وكذا في الموضع اللَّاحق.
[7] في (ب) و(س): «عليهما».
[8] في غير (ب) و(س): «إذ ليس»، وثمَّ زيد في (د) و(ص): «ذلك».
[9] في (د): «شبِّه».
[10] «أي»: ليس في (د).
[11] في (ع): «مثل».
[12] قوله: «هي معروفة»: ليس في (د).
[13] قوله: «إنما يزكو عنده»: مثبت من (د) و(س).