إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث في تفسير: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}

          7490- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مُسَرْهَدٍ بن مسربلٍ الأسديُّ البصريُّ الحافظ أبو الحسن (عَنْ هُشَيْمٍ) بضمِّ الهاء وفتح المعجمة، ابنِ بُشَيرٍ(1)، مُصغَّرًا كأبيه(2)، أبو معاوية السَّلَمِيِّ حافظ بغداد (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بكسر الموحَّدة وسكون المعجمة، جعفر بن أبي وحشيَّة واسمه إياس البصريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) بضمِّ الجيم وفتح الموحَّدة، الوالبيِّ مولاهم أحد الأعلام (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) في قوله تعالى: ({وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}[الإسراء:110] قَالَ: أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللهِ صلعم مُتَوَارٍ)‼ وفي «تفسير(3) سورة الإسراء» [خ¦4722]: «مُخْتَفٍ» (بِمَكَّةَ) أي: في أوَّل الإسلام (فَكَانَ إِذَا) صلَّى بأصحابه(4) (رَفَعَ صَوْتَهُ) بالقرآن (سَمِعَ المُشْرِكُونَ) قراءته (فَسَبُّوا القُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ) جبريل (وَمَنْ جَاءَ بِهِ) محمَّدٌ(5) صلوات الله وسلامه عليه (وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ: ”فقال الله: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}“ فيه حذف مضافٍ، أي: بقراءة صلاتك ({وَلاَ تُخَافِتْ}) لا تخفض صوتك ({بِهَا}) أي: (لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ) بقراءتها، وسقط لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ «{وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}» ولأبي ذرٍّ(6) وحده: ”{لاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}“ (حَتَّى يَسْمَعَ المُشْرِكُونَ) فيسبُّوا، واستُشكِل بأنَّ القياس أن يُقال: حتَّى لا يسمع المشركون. وأجاب في «الكواكب»: بأنَّه غايةٌ للمنهيِّ لا للنَّهي ({وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ) برفع العين ({وَابْتَغِ}) اطلب ({بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الإسراء:110]) وسطًا بين الأمرين، لا الإفراط ولا التَّفريط (أَسْمِعْهُمْ وَلَا تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ القُرْآنَ) قال الحافظ أبو ذرٍّ: فيه تقديمٌ وتأخيرٌ، تقديره: أسمعهم حتَّى يأخذوا عنك القرآن ولا تجهر، والمراد من الحديث قوله: «أنزلت» والآيات المصرِّحة بلفظ الإنزال والتَّنزيل في القرآن كثيرةٌ، والفرق بينهما في وصف القرآن والملائكة كما قال(7) الرَّاغب: إنَّ التَّنزيل يختصُّ بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرِّقًا مرَّةً بعد أخرى، والإنزال أعمُّ من ذلك، ومنه قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر:1] فعبَّر بالإنزال دون التَّنزيل؛ لأنَّ القرآن نزل دفعةً واحدةً إلى سماء الدُّنيا، ثمَّ نزل بعد ذلك شيئًا فشيئًا، ومن الثَّاني قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}[الإسراء:106] ويؤيِّد التَّفصيل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ}[النساء:136] فإنَّ المراد بالكتاب الأوَّل القرآن، وبالثَّاني ما عداه، والقرآن نزل نجومًا إلى الأرض بحسب الوقائع؛ بخلاف غيره من الكتب، لكن يَرِدُ على التَّفصيل المذكور قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}[الفرقان:32] وأُجيب بأنَّه أطلق {نُزِّلَ} موضع «أَنْزل» قال: ولولا هذا التَّأويل لكان متدافعًا لقوله: {جُمْلَةً وَاحِدَةً} وهذا بناه على القول: بأنَّ {نُزِّلَ} المشدَّد يقتضي التَّفريق، فاحتاج إلى ادِّعاء ما ذُكِر، وإلَّا فقد قال غيره: إنَّ التَّضعيف لا يستلزم حقيقة التَّكثير بل يَرِدُ للتَّعظيم وهو في حكم التَّكثير يعني: فبهذا يندفع الإشكال. انتهى. من «كتاب فتح الباري»(8) / وسقط لأبي ذرٍّ والأَصيليِّ من قوله «{وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}» إلى قوله: «لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ».
          وسبق الحديث آخر «سورة الإسراء» [خ¦4722]‼.


[1] في (ب) و(ص) و(ج): «بسير»، وهو تصحيف.
[2] في (د): «كابنه».
[3] «تفسير»: مثبتٌ من (د).
[4] زيد في (د): «الصُّبح».
[5] «محمَّدٌ»: مثبتٌ من (د).
[6] زيد في (ع): «والأَصيليِّ»، وليس بصحيحٍ.
[7] في (ص): «قاله».
[8] قوله: «من كتاب فتح الباري»: مثبتٌ من (د) و(س).