إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار

          7411- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال‼: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أخبرنا“ (أَبُو الزِّنَادِ) ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبدِ الرَّحمن بن هرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ : (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: يَدُ اللهِ) ╡ (مَلأَى) بفتح الميم وسكون اللَّام بعدها همزةٌ (لَا يَغِيضُهَا) بفتح التَّحتيَّة وكسر الغين المعجمة وسكون التَّحتيَّة بعدها ضادٌ معجمةٌ، ولأبي ذرٍّ: ”لا تغيضها“ بالفوقيَّة بدل التَّحتيَّة، أي: لا ينقصها (نَفَقَةٌ) والمراد من قوله: «ملأى» لازِمُه، وهو أنَّه في غاية الغِنى، وعنده من الرِّزق ما لا نهاية له، هي (سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بفتح السِّين والحاء المشدَّدة المهملتين وبالمدِّ والرَّفع خبرُ مبتدأٍ مضمرٍ كما مرَّ، وبالنَّصبِ منوَّنًا على المصدر، أي: تسحُّ سحًّا، و«اللَّيل والنَّهار» نصبٌ على الظَّرفيَّة، والمعنى أنَّها دائمة الصَّبِّ والهطل بالعطاء، و«اليد» هنا كنايةٌ عن محلِّ عطائه، ووصفها بالامتلاء؛ لكثرة منافعها وكمال فوائدها، فجعلها كالعين التي لا يَغِيُضها الاستقاء (وَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ) سبحانه وتعالى (مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) أي: ما أنفق في(1) زمان خلق السَّموات والأرض حين كان عرشه على الماء إلى يومنا، ولأبي ذرٍّ: ”منذ خلق الله السَّموات والأرض“ (فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ) بفتح التَّحتيَّة وكسر المعجمة، لم يَنقُص (مَا فِي يَدِهِ(2)) قال الطِّيبيُّ: يجوز أن يكون «أرأيتم» استئنافًا فيه معنى التَّرقِّي، كأنَّه لمَّا قيل: «ملأى» أَوْهَمَ جواز النُّقصان، فأُزِيل بقوله: «لا يغيضها نفقةٌ(3)» وقد يمتلئ الشَّيء ولا يفيض، فقيل: «سحَّاء» إشارةً إلى الفيض، وقرنَه بما يدُلُّ على الاستمرار من ذكر اللَّيل والنَّهار، ثمَّ أتبعه بما يدُلُّ على أنَّ ذلك ظاهرٌ غيرُ خافٍ على ذِي بَصَرٍ وبصيرة بعد أن اشتمل(4) من ذكر اللَّيل والنَّهار بقوله: «أرأيتم» على تطاول المدَّة؛ لأنَّه خطابٌ عامٌّ، والهمزة فيه للتَّقرير، قال: وهذا الكلام إذا أخذتَه بجملته من غير نظرٍ إلى مفرداته أبان زيادة المعنى وكمال السَّعة والنِّهاية في الجود والبسط في العطاء (وَقَالَ) وفي نسخةٍ: ”وكان“: (عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ) أي: قبل خلق السَّموات والأرض (وَبِيَدِهِ الأُخْرَى المِيزَانُ) العدل بين الخلق (يَخْفِضُ) مَن يشاء (وَيَرْفَعُ) مَن يشاء، ويوسِّع الرِّزق على من يشاء، ويضيِّقه على من يشاء، والميزان _كما قاله الخطَّابيُّ_ مَثَلٌ، والمراد: القِسمة بين الخلق، أو المراد يخفض الميزان ويرفعه، فإنَّ الذي يُوزَن بالميزان يخفُّ ويرجح، وفي حديث أبي موسى عند مسلمٍ وابن حبَّان: «إنَّ الله لا ينام ولا ينبغي له(5) أن ينام، يخفض القسط ويرفعه» وظاهره أنَّ المراد بـ «القسط» الميزان، وهو ممَّا يؤيِّد أنَّ الضَّمير المستتر(6) في قوله: «يخفض ويرفع»: لـ «الميزان» وأشار بقوله: «بيده الأخرى» إلى أنَّ / عادة المخاطَبين تعاطي الأسباب باليدين معًا، فعبَّر عن قدرته على التَّصرُّف بذكر اليدين؛ ليُفهم المعنى المراد ممَّا(7) اعتادوه.
          والحديث سبق بهذا الإسناد والمتن‼ في «تفسير سورة هود» [خ¦4684] وفيه زيادةٌ في أوَّله، وهي: «قال: قال الله ╡: أنفق أُنفق عليك».


[1] في (ع): «من».
[2] في (ع): «ما بيده».
[3] في (د) و(ع): «شيء».
[4] في (د): «انتقل».
[5] «له»: مثبتٌ من (د) و(ع).
[6] في غير (د): «المحذوف».
[7] في (ع): «بما».