الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي كانت ظاهرة

          ░22▒ (باب: الحجَّة عَلَى مَنْ قال: إنَّ أَحْكَامَ النَّبيِّ صلعم كَانَتْ ظَاهِرَة)
          قالَ الكَرْمانيُّ وتبعه العينيُّ: قوله: (ما كان يغيب...) إلى آخره، عطف على مقول القول و(ما) نافية أو على الحجَّة فـ(ما) موصولة. انتهى.
          قالَ الحافظُ: و(ما) موصولة، وجَوَّزَ بعضهم أن تكون نافية، وأنَّها مِنْ بقيَّة القول المذكور، وظاهر السِّياق يأباه، وهذه التَّرجمة معقودة لبيان أنَّ كثيرًا مِنَ الأكابر مِنَ الصَّحابةِ كان يغيب عن بعض ما يقوله النَّبيُّ صلعم أو يفعله مِنَ الأعمال التَّكليفيَّة، فيستمرُّ على ما كان اطَّلع عليه هو إمَّا على المنسوخ لعدم اطلاعه على ناسخه، وأما(1) على البراءة الأصليَّة، وإذا تقرَّر ذلك قامت الحجَّة على مَنْ قدَّم عملَ الصَّحابيِّ الكبير على رواية غيره متمسِّكًا بأنَّ ذلك الكبير لولا أنَّ عنده ما هو أقوى مِنْ تلك الرِّواية لما خالفها.
          وقالَ ابنُ بطَّالٍ: أراد الرَّدَّ على الرَّافضة والخوارج الَّذِين يزعمون أنَّ أحكام النَّبيِّ صلعم وسننه منقولة عنه نقل تواترٍ، وأنَّه لا يجوز العمل بما لا(2) يُنقل متواترًا قال: وقولهم مردود بما صحَّ أنَّ الصَّحابة كان يأخذ بعضُهم عن بعضٍ، ورجع بعضُهم إلى ما رواه غيره، وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد. انتهى.
          وقال صاحب «الفيض»: قوله: (كانت ظاهرة) فيه ردٌّ على الباطنيَّة حيث زعموا أنَّ المراد بالجَنَّة والنَّار ليس ما يظهر مِنِ اسميهما، بل هما عبارتان عن نعيم وعذاب معنويَّين، فردَّ عليهم المصنِّف أنَّ أحكام النَّبيِّ صلعم كلَّها محمولة على ظاهرها، لا أنَّ لها بواطن تخالف ظواهرها. انتهى.
          ولا يبعد عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بذلك إلى مسألة أصوليَّة خلافيَّة، وهي مسألة وجوب تقليد الصَّحابيِّ، قال صاحب «نور الأنوار»: تقليد الصَّحابيِّ واجبٌ يُترَك به القياس، وقال الكَرْخيُّ: لا يجب [تقليده] إلَّا فيما لا يدرَك إلَّا بالقياس، وقالَ الشَّافعيُّ: لا يقلَّد أحد منهم سواءٌ كان مدركًا بالقياس أو لا؛ لأنَّ الصَّحابة كان يخالف بعضهم بعضًا، وليس أحدهم أولى مِنَ الآخر فتَعَيَّن البطلان. انتهى.
          فلا يبعد عندي أنَّ المصنِّف أشار إلى هذا الأخير بناءً [على] أنَّ بعضهم لا يشهدون بموضع يشهده غيره، طالما(3) لا يعرفون المنسوخ مِنَ النَّاسخ.


[1] في (المطبوع): ((وإما)).
[2] في (المطبوع): ((لم)).
[3] في (المطبوع): ((وطالما)).