الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما

          ░12▒ (باب: مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ)
          وبهذا الباب استدلَّ مَنْ قال: إنَّ الإمام البخاريَّ قائلٌ بالقياس والاجتهاد، وهو الأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ، ولهذا ردَّ المشايخ قول مَنْ عزا إلى الإمام البخاريِّ إنكار القياس والاجتهاد.
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ بطَّالٍ: التَّشبيه والتَّمثيل هو القياس عند العرب، وقد احتجَّ المُزَنيُّ بهذين الحَدِيثين اللَّذِين ذكرهما البخاريُّ في الباب على مَنْ أَنْكَر القياس، قال: وأوَّل مَنْ أنكر القياس إبراهيم النَّظَّام، وتبعه بعض المعتزلة، وممَّن يُنسب إلى الفقه داود بن عليٍّ، وما اتَّفق عليه الجماعة هو الحجَّة، فقد قاس الصَّحابة فمن بعدهم مِنَ التَّابعين وفقهاء الأمصار. انتهى.
          وقد صرَّح الكرمانيُّ وغيره مِنَ العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ أنَّ غرض هذا الباب إثباتُ القياس.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: عنى بالمعلوم ما أريد علمه واستنباطه، وبالمبيَّن ما هو معلوم مِنْ قبلُ، وقوله: (بيَّن الله حكمها) أي: في الكتاب والسُّنَّة مِنْ قِبل بيان حكم ذلك الأمر المطلوب علمُه. انتهى.
          وقالَ السِّنْديُّ في «حاشيته»: قوله: (معلومًا) أي: مطلوبًا بالعلم والبيان للمخاطب، وقوله: (بأصل مُبَيَّن) أي: قد بُيِّنَ للمخاطب مِنْ قبلُ، أو المراد بالمعلوم المعلوم للمتكلِّم المجيب، وكذا المبيَّن، والمطلوب تشبيه المجهول على المخاطب بالمعلوم عنده، مع أنَّ كلًّا منهما معلوم عند المتكلِّم بدون هذا التَّشبيه، وإنَّما يُشبَّه / لتفهيم السَّائل المخاطب، والتَّوضيح عنده لا لإثبات الحكم كما يقول به أهل القياس، فهذا جواب عن أدلَّة مثبتي القياس بأنَّ ما جاء مِنَ القياس كان للإيضاح والتَّفهيم، بعد أن كان الحكم ثابتًا في كلٍّ مِنَ الأصلَين، ولم يكن لإثبات الحكم، والله تعالى أعلم. انتهى.
          هذا ما أفاده العلامة السِّنْديُّ في الغرض مِنَ التَّرجمةِ، وأمَّا غيره مِنْ أكثر الشُّرَّاح الحافظان والقَسْطَلَّانيِّ فقد تقدَّم أنَّهم صرَّحوا بأنَّ غرض المصنِّف بهذا الباب إثباتُ حُجِّيَّة القياس.