الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ

          ░20▒ (باب: إذا اجْتَهَدَ العَامِلُ أَو الحَاكِمُ فَأَخْطَأَ...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: في رواية الكُشْمِيهَنيِّ: <العالم> بدل (العامل) و(أو) للتَّنويع، وقد تقدَّم في كتاب الأحكام ترجمة (إِذَا قَضَى الحَاكِمُ بِجَوْرٍ، أَوْ خِلاَفِ أَهْلِ العِلْمِ فَهُوَ مردُود)، وهي معقودة لمخالفة الإجماع، وهذه معقودة لمخالفة الرَّسول ╕. انتهى.
          والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ التَّرجمة الأولى مِنْ باب القضاء، يعني: مجرَّد قضاء القاضي لا يُعتبر، بل هو مردود إلى حكم الشَّرع، وأمَّا هذه التَّرجمة الثَّانية فهو(1) مِنْ باب الاعتصام بالكتاب والسُّنة.
          والحاصل: أنَّ مَنِ اجتهد ثمَّ عَلم أنَّه خلافُ السُّنَّة فاجتهاده مردود، فقد قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ بطَّالٍ: مراده أنَّ مَنْ حكم بغير السُّنَّة جهلًا أو غلطًا يجب / عليه الرُّجوعُ إلى حُكم السُّنَّة، وترك ما يخالفها(2) امتثالًا لأمر الله تعالى بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة.
          ويمكن أن يقال: إنَّه أشار بهذه التَّرجمة الثَّانية إلى مسألة أصوليَّة شهيرة، وهي: هل المجتهد يخطئ ويصيب أو كلُّ مجتهد مصيب، وإلى هذا أشار صاحب «الفيض» إذ قال: وعندَ التِّرْمِذيِّ: أنَّ المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر. انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: قال أبو الحسن الأشعريُّ والقاضي أبو بكر الباقلَّانيُّ وأبو يوسف ومحمَّد: المسألة الَّتي لا قاطع فيها، كلُّ مجتهد فيها مصيبٌ، ثمَّ قالَ بعد ما بسط الكلام على المسألة: وقال الجمهور_وهو الصَّحيح_: المصيب واحد... إلى آخر ما بسطه.
          وقالَ النَّوويُّ بحثًا على المسألة: كلُّ مجتهدٍ مصيبٌ، وهذا هو المختار عند كثير مِنَ المحقِّقين أو أكثرهم، والمذهب الآخر المصيب واحدٌ والمخطئ غير متعيِّن لنا والإثم مرفوع عنه. انتهى.
          وفي «نور الأنوار»: المجتهد يخطئ ويصيب، والحقُّ في موضع الخلاف واحدٌ، ولكن لا يعلم ذلك الواحد باليقين، فلهذا قلنا بحقِّيَّة المذاهب الأربعة، وهذا ممَّا عُلم بأثر ابن مسعود في المفوضة. انتهى.
          قالَ الحافظُ في شرح الحديث الآتي في التَّرجمة الآتية: قال المازَريُّ: تمسَّك به كلٌّ مِنَ الطَّائفتين مَنْ قال: إنَّ الحقَّ في طرفين، ومَنْ قال: إنَّ كلَّ مجتهدٍ مصيبٌ، أمَّا الأولى فلأنَّه لو كان كلٌّ مصيبًا لم يطلق على أحدهما الخطأ لاستحالة النقيضين في حالة واحدة، وأمَّا المصوِّبَة فاحتجُّوا بأنَّه صلعم جعل له أجرًا، فلو كان لم يصب لم يؤجَر، وأجابوا عن إطلاق الخطأ في الخبر على مَنْ ذُهل عن النَّصِّ أو اجتهد فيما لا يَسُوغ الاجتهاد فيه مِنَ القطعيَّات. انتهى.
          وقالَ الكَرْمانيُّ: المراد بالعامل: عامل الزَّكاة، وبالحاكم: القاضي، وقوله: (فأَخْطَأ) أي: في أخذ واجب الزَّكاة أو في قضاءه(3).
          قالَ الحافظُ: وعلى تقدير ثبوت رواية الكُشْمِيهَنيِّ فالمراد بالعالم: المفتي، أي: أخطأ في فتواه، وقال: وفي التَّرجمة نوع تعجرُف، قلت: ليس فيها قلق إلَّا في اللَّفظ الَّذِي بعد قوله: (فأخطأ) فصار ظاهر التَّركيب ينافي المقصود، لأنَّ مَْن أخطأ خلاف الرَّسول لا يُذمُّ، بخلاف مَنْ أخطأ وِفاقه، وليس ذلك المراد، وإنَّما تمَّ الكلام عند قوله: (فأخطأ) وهو متعلِّق بقوله: (اجتهدَ). وقوله: (خلاف الرَّسول) أي: فقال: خلاف الرَّسول، وحذفُ (قال) يقع في الكلام كثيرًا فأيُّ عجرفة في هذا؟! والشَّارح مِنْ شأنه أن يوجِّه كلام الأصل مهما أمكن، ويغتفر القدر اليسير مِنَ الخلل تارةً ويحمله على النَّاسخ تارة، وكلُّ ذلك في مقابلة الإحسان الكثير الباهر ولا سيَّما مثل هذا الكتاب. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((فيه)).
[2] في (المطبوع): ((خالفها)).
[3] في (المطبوع): ((قضاء)).