الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس

          ░7▒ (باب: مَا يُذْكَر مِنْ ذَمِّ الرَّأي وَتَكَلُّفِ القِيَاس)
          كتبَ الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: أراد المؤلِّف بذكر البابين هذا وما بعده أنَّ كلَّ قياسٍ غيرُ محمود، ولا كلُّه مذموم، فإما(1) قياس مجتهدي الأمَّة، أي: ما لا يخالف أصول الشَّرع وقواعد الدِّين وكان مستندًا إلى أهل الأدلَّة، فهذا النَّوع مِنَ القياس محمود، والمذموم ما يخالف ذلك، ويلزم فيه تخصيص النَّصِّ أو مخالفته أو ترك العمل به إلى غير ذلك ممَّا هو معروف. انتهى.
          وفي «هامشه»: وحاصل(2) ما أفاده الشَّيخ أنَّ الغرض مِنْ هذا الباب الرَّدُّ على مَنْ يزعم أنَّ كلَّ قياسٍ صحيحٌ محمودٌ وإن لم يبين(3) على أصلٍ شرعيٍّ، والغرض مِنَ الباب الآتي وهو قوله: (باب: مَنْ شَبَّه أصلًا معلومًا...) إلى آخره، الرَّدُّ على مَنْ زعم أنَّ كلَّ قياسٍ باطلٌ مذمومٌ، فمَنْ حكى عن الإمام البخاريِّ أنَّه منكرٌ للقياس بناءً ونظرًا على هذا الباب الأوَّل فقط فلم يصب.
          قالَ الحافظُ: قوله: (باب: ما يُذْكَر مِنْ ذمِّ الرَّأي...) إلى آخره، أي: الفتوى بما يؤدِّي إليه النَّظر، وهو يصدق على ما يوافق النَّصَّ وعلى ما يخالفه، والمذموم منه ما يوجد النَّصُّ بخلافه، وأشار بقوله [(مِنْ)] إلى أنَّ بعض الفتوى بالرَّأي لا يُذَمُّ، وهو إذا لم يوجد النَّصُّ مِنْ كتابِ أو سُنَّة أو إجماع.
          وقوله: (وتَكَلُّف القياس) أي: إذا لم يوجد الأمور الثَّلاثة، واحتاج إلى القياس، فلا يتكلَّفه بل يستعمله على أوزاعه،(4) ولا يتعسَّف في إثبات العلَّة الجامعة الَّتي هي مِنْ أركان القياس، بل إذا لم تكن العلَّة الجامعة واضحة فليتمسَّك بالبراءة الأصليَّة، ويدخل في تَكَلُّف القياس ما إذا استعمله على أوزاعه(5) مع وجود النَّصِّ، وما إذا وَجد النَّص فخالفه، وتأوَّل لمخالفته شيئًا بعيدًا، ويشتدُّ الذَّمُّ فيه لمن ينتصر لمن يقلِّده مع احتمال ألَّا يكون الأوَّل اطَّلع على النَّصِّ. انتهى.
          وهكذا في العَينيِّ، وزاد: فإن قلت: روى البَيْهَقيُّ بسنده إلى عمر قال: ((إيَّاكم وأصحاب الرَّأي فإنَّهم أعداء السُّنن، أعيتهم(6) الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرَّأي فضلُّوا وأضلُّوا)) قلت: في صحَّته نظر، ولئن سلَّمنا فإنَّه أراد به الرَّأي مع وجود النَّصِّ. انتهى.كذا في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((فأما)).
[2] في (المطبوع): ((وحاصله)).
[3] في (المطبوع): ((يبن)).
[4] في (المطبوع): ((أوضاعه)).
[5] في (المطبوع): ((أوضاعه)).
[6] في (المطبوع): ((أغنتهم)).