الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}

          ░19▒ (باب: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} إلى آخره [البقرة:143])
          قد تقدَّم قريبًا في (باب: ما ذكر النَّبيُّ صلعم وحضَّ على اتِّفاق أهل العلم...) إلى آخره، أنَّ غرض الإمام البخاريِّ بهذا الباب عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: إثباتُ حجِّيَّة الإجماع. وهكذا في «تقرير شيخ الهند» إذ قال: لعلَّ غرض البخاريِّ مِنْ هذا الباب بيانُ أنَّ هذه الأمَّة مرحومة، وقولهم معتبر في الدُّنْيا كما أنَّ شهادتهم مقبولة في العُقبى، وهذا إشارة إلى حجِّيَّة الإجماع الَّذِي هو أصلُ رابعٌ في الدِّين، والله تعالى أعلم.
          قلت: وبهذه الآية استدلَّ أهل الأصول على حجِّيَّة الإجماع، كما قالَ الكَرْمانيُّ.
          وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: والاستدلال بالآية على أنَّ الإجماع حجَّة، لأنَّ الله تعالى وصف هذه الأمَّة بالعدالة، والعدل هو المستحقُّ للشَّهادة وقَبولها، فإذا اجتمعوا على شيء وشهدوا به لزم قَبوله. انتهى.
          وفي «نور الأنوار» في بحث الإجماع: وحكمه في الأصل أن يثبت المراد به شرعًا على سبيل اليقين لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، وصفهم بالوسطيَّة وهي العدالة، فيكون إجماعهم حجَّة، وقد ضلَّ بعضُ المعتزلةِ والرَّوافضُ فقالوا: إنَّ الإجماع ليس بحجَّة، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يحتمل أن يكون مخطئًا فكذا الجميع، ولا يَدرون قوَّة الحبل المؤلِّف مِنَ الشَّعرات وأمثالهم. انتهى.
          وأثبت الرَّازيُّ في «تفسيره» حجِّيَّة الإجماع بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران:110]، وذكر الحاكم في «المستدرك» تسعة أحاديث في حجِّيَّة الإجماع. وقد بسط الشَّوكانيُّ الكلام على الإجماع وإجماع أهل المدينة وغيرها في المقصد الثَّالث مِنْ «إرشاد الفحول». انتهى مختصرًا مِنْ «هامش اللَّامع».