الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما ذكر النبي صلعم وحض على اتفاق أهل العلم

          ░16▒ (باب: مَا ذَكَر النَّبيُّ صلعم وحَضَّ عَلى اتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْم...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ بطَّالٍ عن المهلَّب: غرض البخاريِّ بهذا الباب وأحاديثه تفضيل المدينة بما خصَّها الله به مِنْ مَعَالم الدِّين، وأنَّها دارُ الوحي ومَهْبِط الملائكة بالهدى والرَّحمة، وشرَّفَ الله بقعتها بسكنى رَسُوله صلعم، وجعل فيها قبره ومِنبره، وبينهما روضةٌ مِنْ رياض الجَنَّة.
          قالَ الحافظُ: وفضل المدينة ثابت لا يحتاج إلى إقامة دليل خاصٍّ، وقد تقدَّم / مِنَ الأحاديث في فضلها في آخر الحجِّ ما فيه شفاء، وإنَّما المراد هنا تقدُّم أهلها في العلم على غيرهم... إلى آخر ما قال.
          وما اختار(1) الحافظ في الغرض مِنَ التَّرجمةِ به جزم القَسْطَلَّانيُّ إذ قال: ومراده مِنْ سياق أحاديث هذا الباب تقديم أهل المدينة في العلم على غيرهم في العصر النَّبويِّ، ثمَّ بعده قبل تفرُّق الصَّحابة في الأمصار، ولا سبيل إلى التَّعميم كما لا يخفى. انتهى.
          وأمَّا العلَّامة العينيُّ فإنَّه قد مالَ إلى رأي المهلَّب الَّذِي سبق في كلام الحافظ، فإنَّه ذكر قول المهلَّب في الغرض مِنَ التَّرجمةِ، وسكت عليه، فكأنَّه رضي به.
          ثمَّ اعلمْ أنَّه يستفاد مِنْ كلام بعض الشُّرَّاح أنَّ غرض المصنِّف بهذا الباب وأحاديثه بيانُ مسألة الإجماع، ففي «الفيض»: (باب: ما ذكر النَّبيُّ صلعم...) إلى آخره، شرع في بيان حجِّيَّة الإجماع، لا سيَّما إجماع أهل الحرمين. انتهى.
          والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ هذا الباب ليس مِنْ باب الإجماع، بل يأتي مسألة الإجماع قريبًا في (باب: قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} إلى آخره [البقرة:143]) بل الغرض عندي مِنْ هذا الباب الإشارة إلى اختلافهم في وجوه ترجيح الرِّوايات بعضها على بعض، وإليه يظهر ميل شيخ الهند مولانا محمود الحسن قُدِّس سرُّه رئيس المدرِّسين في دار العلوم بديوبندَ ففي «تقريره» كما حكاه مولانا مشتاق أحمد البينجابي(2): لمَّا كان غرض المؤلِّف مِنْ هذا الكتاب بيان قواعد الشَّرع كيف نعلم؟ قال: اعتصموا بالكتاب والسُّنَّة، فهو الآن في هذا الباب يبين قاعدة كلِّيَّة، لأنَّ المسائل إذا تعارضت فيُنظر إلى اتِّفاق أهل العلم وإجماعهم، ثمَّ بعد ذلك ينظر إلى عمل أهل الحرمين فيرجَّح ما اتَّفقوا عليه. انتهى.
          قلت: قال الحازميُّ في جملة وجوه التَّرجيح: الرَّابعة(3) عشر: أن يكون إسناد أحد الحديثين حجازيًا وإسناد الآخر عراقيًّا أو شاميًّا، سيَّما إذا كان الحديث مدنيَّ المخرجِ، لأنَّها دار الهجرة ومجمع المهاجرين والأنصار، والحديث إذا شاع عندهم وضاع(4) وتلقَّوه بالقَبول مَتُنَ وقَوِيَ، وكان الشَّافعيُّ ⌂ يقول: كلُّ حديثٍ لا يوجد له أصل في حديث الحجازيِّين واهٍ، وإن تداولته الثِّقات. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: وليس هذا مِنْ وجوه التَّرجيح عندنا الحنفيَّة، كما تقدَّم مِنْ كلام العينيِّ مِنْ قولِه، وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى أنَّهم ليسوا حجَّة على غيرهم لا مِنْ طريق النَّقل ولا مِنْ طريق الاجتهاد... إلى آخر ما فيه.


[1] في (المطبوع): ((اختاره)).
[2] في (المطبوع): ((البنجابي)).
[3] في (المطبوع): ((الرابع)).
[4] في (المطبوع): ((وذاع)).