الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب عرق الاستحاضة

           ░26▒ (باب: عِرْقِ الاسْتِحَاضَة)
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع» أي: باب بيان أنَّ دم الاستحاضة دم عِرْقٍ، وليس خارجًا مِنْ أحد السَّبيلين، فلا يتَّحد حكمهما لِما فيهما مِنْ بَوْنٍ في الأصل والذَّات، فيكون سببًا للاختلاف في الآثار والثَّمرات. انتهى.
          وكتب الشَّيخ أيضًا في «الكوكب»: قوله: إنَّما ذلك دم عِرْقٍ... إلى آخره، فيه دلالةٌ على أنَّ الحكم في الخارج مِنَ السَّبيلين وغيرهما مشتركٌ في النَّقض، وإن كان التَّفاوت بينهما ثابتًا بوجوهٍ مفصَّلةٍ في الفقه، ولا يُتَوهَّم خروج دم الاستحاضة مِنْ إحدى السَّبيلين، وإن كان هذا هو الظَّاهر بحسب ما يبدو للنَّاظر، وذلك لأنَّ المراد بالسَّبيل هاهنا مخرج البول، لا أعَمَّ منه، ودم الاستحاضة لا يخرج منه كما هو ظاهرٌ لِمَنْ له أدنى دريةٍ بأحوالهنَّ، نعم سبيل المنيِّ والاستحاضة واحدٌ، وكذلك الحكم في سبيل البراز، فإنَّ الخارج منها بحسب الظَّاهر لا يؤتى له حكم الخارج مِنَ المبرز، ما لم يكن منه حقيقةً، كما في غدود(1) البواسير، فإنَّ الطَّهارة لا تنتقض بخروج شيءٍ منها ما لم يسل، لأنَّها غير السَّبيلين، فالخارج منها ليس له حكم الخارج منها، بل هو خارجٌ عن حكمها، وقاسُوا على دم الاستحاضة كلَّ ما هو خارجٌ مِنْ غير السَّبيلين نجسٌ، وجعلوا الخارج النَّجس مِنْ غير السَّبيلين ناقضًا للوضوء بهذا الحديث وأمثاله، غير أنَّ قوله صلعم في جواب السَّائل ما النَّاقض؟: (كلُّ ما خرج مِنَ السَّبيلين) أهدر التَّفاوت بين الكثير والقليل، إبقاءً لكلمة (ما) على عمومها، سيَّما وقد وصفت بصفةٍ عامَّةٍ، ولا كذلك فيما خرج مِنْ غير السَّبيلين، وليس هذا موضعَ تفصيله(2). انتهى.
          وفي «هامشه»: ففي «الفتح الرَّحماني» عن «نهاية النِّهاية» أنَّ مدخل الذَّكر هو مخرج الولد والمنيِّ والحيض، وفوقه مخرج البول كإحليل الرَّجل، وبينهما جلدةٌ رقيقةٌ، وفوق مخرج البول جلدةٌ رقيقةٌ يُقطع منها في الختان، كذا في «الأوجز». انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع» على قول الشَّيخ: إنَّ دم الاستحاضة دم عرقٍ، تقدَّم في (باب: الاستحاضة) مِنْ حديث عائشة أنَّه صلعم قال لفاطمة: (إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ...) الحديث، وهو أوضح في المقصود، فإنَّ الحيض في اللُّغة: السَّيلان، وفي الشَّرع: دمٌ يخرج مِنْ قعر رحم المرأة بعد بلوغها في أوقاتٍ معدودةٍ، والاستحاضة: الدَّم الخارج في غير أوقاته ويسيل مِنْ عِرقٍ فمُه في أدنى الرَّحم اسمه العاذل بالذَّال المعجمة. انتهى.
          وقال شيخ المشايخ في «التَّراجم» قوله: (ذَلِكَ عِرْقٌ) قيل: معناه أنَّه ليس دم الرَّحم حتَّى يوجب ترك الصَّلاة والصَّوم، بل هو دم عِرقٍ، فإن قيل: قد تقرَّر عند الأطباء أنَّ دم الاستحاضة ينقض(3)(4) مِنَ الرَّحم أيضًا، فما معنى قوله: (ذَلِكَ عِرْقٌ) قلت: معناه: إنَّما ذلك وجعٌ ومرضٌ فيه، وإطلاق العِرق وإرادة المرض والوجع لأنَّ اجتماع الدَّم وفساده فيه، فهو غالبًا يكون مسبِّبًا للوجع والمرض، فعلى هذا لا مخالفة بين الحديث وبين ما / قالته الأطبَّاء، على أنَّ الأطباء أيضًا معترفون بأنَّ أكثر الأمراض بل جُلُّها تكون مِنْ سوء مزاجٍ في العروق. انتهى.
          قلت: ويشكل عليه أنَّ الاستحاضة مشتقٌّ مِنَ الحيض، والسِّين للمبالغة أو التَّحوُّل، والجواب واضحٌ بأنَّ الاشتقاق باعتبار المعنى اللُّغويِّ وهو السَّيلان، واشتراكًا(5) فيه، وأمَّا باعتبار المعنى الشَّرعيِّ فدمان مختلفان، ولذا فرَّق في أحكامهما عند الشَّرع، ونصَّ عليه الشَّارع ╕ بقوله: ((إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ)). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((غدد)).
[2] في اللامع ينفض
[3] في (المطبوع): ((ينفض)).
[4] الجوهر النقي في الرد على البَيْهَقيّ:1/94
[5] في (المطبوع): ((واشتركا)).