الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيض

           ░24▒ (باب: إذا حَاضَت فِي شَهْر...) إلى آخره
          كتب الشَّيخ في «اللَّامع»: وهذا مبنيٌّ على أنَّه لم يتحقَّق عند قائله أقلُّ مدَّة الحيض والطُّهر، ومبنى الاستدلال بالرِّواية أنَّها مطلقةٌ مِنْ ذكر المِقداد(1)، فلا ينبغي التَّقييد بشيءٍ مِنَ الأيام، إلَّا أنَّ الإمام لمَّا تحقَّقت له الرِّواية ذهب إلى أنَّهما مقدَّران شرعًا، ومعنى قوله: لقول الله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} الآية [البقرة:228] أنَّ الكتمان لمَّا / كان حرامًا عليهنَّ بهذه الآية كان حمل قولهنَّ على الكذب حملًا لمقالة المسلم على الكذب، ولا يجوز ذلك. انتهى.
          وفي «هامشه»: قال شيخ المشايخ في «التَّراجم» أي: هو ممكنٌ، وإذا ادَّعَت المرأة ذلك صُدِّقَت فيه، والآية دالَّةٌ على أنَّ قولها مقبولٌ فيه، وجميع تعاليق الباب دالَّةٌ على أنَّه ليس في الحيض تحديدٌ، وإنَّما هو مُفَوَّضٌ إلى قول المرأة، لكن فيما يُمْكن. انتهى.
          وسكت الشُّرَّاح عن غرض المصنِّف بالتَّرجمة، والظَّاهر عندي أنَّ الإمام البخاريَّ ذكر في الباب مسألتين:
          أولاهما: اختلافهم في مدَّة الحيض، وعليه يتفرَّع ما في التَّرجمة مِنَ الادِّعاء بثلاث حيضٍ في شهرٍ، وإليه أشار الشَّيخ في «اللَّامع» بقوله: هذا مبنيٌّ(2)... إلى آخره، فالتَّرجمة في هذا الجزء مِنَ الأصل الثَّامنَ عشرَ مِنْ أصول التَّراجم.
          والمسألة الثَّانية: صرَّح بها بقوله: (وما يُصَدِّق النِّساء) وهو كالنَّص في غرضه، والاستدلال بالآية بأنَّها تدلُّ على وجوب إظهارها، فلو لم تُصَدَّق فِيه لم يكن للإظهار فائدةٌ، وأجاد صاحب «البدائع» إذ قال: تُصَدَّق في قولها، لأنَّها أمينةٌ في أخبارها عن انقضاء عدَّتها، فإنَّه تعالى ائتمنها في ذلك في قوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ} الآية [البقرة:228]، والقول قول الأَمين مع اليمين، كالمُودِع، ثُمَّ لا يقبل قولها فيما لا تحتمله المدَّة، لأنَّ قول(3) الأمين يُقبَل فيما لا يُكَذِّبه الظَّاهر(4). انتهى.
          أمَّا المسألة الأولى فاختلفوا في تحديد الحيض والطُّهر، أمَّا الحيض فمسلك الحنفيَّة أنَّ أقله ثلاثة أيَّامٍ ولياليها، وأكثره عشرةٌ، وقال الشَّافعيُّ وأحمد: أقلُّه يومٌ وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا ولياليها أو سبعة عشر، قولان لكلٍّ منهما، وقال مالكٌ: لا حدَّ لأقلِّه، وأكثره سبعة عشر أو ثمانية عشر، وأمَّا الطُّهر: فأقلُّه ثلاثة عشر يومًا عند أحمد، وقالت الأئمَّة الثَّلاثة: خمسة عشر يومًا، ذكر أبو ثورٍ أنَّ ذلك لا يختلفون فيه. انتهى.
          كذا في «الأوجز»(5).
          ثُمَّ عدَّة المُطَلَّقة ثلاثة قُرُوءٍ بالنَّصِّ، ولا خلاف بينهم في ذلك، واختلفوا في المراد بالقُروء(6)، فقالت الحنفيَّة: المراد به الحيض، وهو الَّذِي رجع إليه أحمد وهو المرجَّح في مذهبه، وقوله الآخر: إنَّ المراد به الطُّهر وهو مذهب الشَّافعيِّ ومالكٍ، كذا في «الأوجز»(7).
          وإذا عرفت ذلك فقد عرفت أنَّ المرأة إذا ادَّعَت بِثَلاث حِيَضٍ فِي شَهْرٍ يُقْبَل دعواها في المرجوح عند أحمد، بل يُقْبَل عنده على هذا القول في ثمانيةٍ وعشرين يومًا ولحظتين، وكذلك يُقْبَل قولها عند مالكٍ في ثلاثين يومًا وأربع لحظات، ولا يُقْبَل قولها عند الشَّافعيِّ في أقلَّ مِنِ اثنين وثلاثين يومًا ولحظتين. انتهى.
          قلت: وتوضيح مسالك الأئمَّة الثَّلاثة هكذا:
          1- الطُّهر الَّذِي طُلِّق فيه.
          عند مالكٍ والشَّافعيِّ وعند أحمد في المرجوع عنه: لحظة.
          2- الحيض الأوَّل.
          عند مالكٍ: لحظة.
          الشَّافعي وعند أحمد في المرجوع عنه: يومٌ.
          3- الطهر بعده.
          عند مالكٍ والشَّافعيِّ:15 يومًا.
          عند أحمد في المرجوع عنه:13يومًا.
          4- الحيض الثَّاني.
          عند مالكٍ: لحظةٌ.
          الشَّافعي وعند أحمد في المرجوع عنه: يومٌ.
          5- الطُّهر بعده.
          عند مالكٍ والشَّافعيِّ:15 يومًا.
          عند أحمد في المرجوع عنه:13يومًا.
          6- بدء الحيض الثَّالث الَّذِي تمَّت فيه العدَّة.
          عند مالكٍ والشَّافعيِّ وعند أحمد في المرجوع عنه: لحظةٌ.
          7 - الخلاصة(8).
          المجموع عند مالكٍ(9): فالمجموع ثلاثون يومًا وأربع لحظات.
          المجموع عند الشَّافعيِّ(10): فالمجموع اثنان وثلاثون يومًا [ولحظتان] (11).
          المجموع عند أحمد في المرجوع عنه(12): فالمجموع 28 يومًا ولحظتان.
          وأمَّا عندنا الحنفيَّة: فاختلفت الرِّوايات والتَّخاريج في ذلك جدًّا، كما بسط في «البدائع».
          والمعروف في شروح البخاريِّ وغيرها أنَّها لا تُصَدَّق عند الإمام في أقلَّ مِنْ ستِّين يومًا، وتُصَدَّق عند صاحبيه في تسعةٍ وثلاثين يومًا، وذلك لأنَّ العِدَّة عندهم على الحيض، فلا بدَّ مِنْ ثلاث حِيَضٍ، والحيض مُقَدَّر الطَّرفين ولا حدَّ لأكثرِ الطُّهر، وأقلُّه / خمسة عشر يومًا، فوَجْهُ قول الإمام أنَّه يبعد أن يُعْتَبر الأقلُّ مِنْ كلٍّ منهما، فالاعتدال أن يُعْتَبر الأقلُّ مِنْ جهةٍ، والأكثر مِنْ جهةٍ أخرى، ولمَّا لم يكن لأكثر الطُّهر حدٌّ فلا بدَّ أن يُعْتَبر الأقلُّ منه، والأكثر مِنَ الحيض، فيكون المجموع ستِّين يومًا، ووجه قول صاحبيه أنَّ أقلَّ ما يمكن تصديقها فيه أنْ يُعْتَبر الأقلُّ مِنْ كلِّ الجهتين فيكون المجموع تسعةً وثلاثين، والتَّصوير هكذا:
          1- طهر الطَّلاق.
          عند الإمام وصاحبيه وعند أحمد في المرجوع إليه: لحظةٌ.
          2- الحيض الأوَّل.
          عند الإمام:10.
          عند صاحبيه:3.
          عند أحمد في المرجوع إليه:1.
          3- الطُّهر بعده.
          عند الإمام وصاحبيه:15.
          عند أحمد في المرجوع إليه:13يومًا.
          4- الحيض الثَّاني.
          عند الإمام:10.
          عند صاحبيه:3.
          عند أحمد في المرجوع إليه:1.
          5- الطُّهر بعده.
          عند الإمام وصاحبيه:15.
          عند أحمد في المرجوع إليه:13يومًا.
          6- بدء(13) الحيض الثَّالث.
          عند الإمام:10.
          عند صاحبيه:3.
          عند أحمد في المرجوع إليه:1.
          7- الخلاصة(14):
          المجموع عند الإمام:60يومًا.
          عند صاحبيه:39 يومًا.
          عند أحمد في المرجوع إليه:29يومًا.
          وعُلم مِنْ هذا كلِّه أنَّ ترجمة الإمام البخاريِّ توافق الإمامين مالكًا وأحمد، ولا توافق الحنفيَّة والشَّافعيَّة. انتهى ما في «هامش اللَّامع» مختصرًا.


[1] في (المطبوع): ((المقدار)).
[2] في (المطبوع): ((مبنًى)).
[3] في (المطبوع): ((قوله)).
[4] لأوجز المسالك:1/623
[5] لأوجز المسالك1/623
[6] في (المطبوع): ((بالقرء)).
[7] سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب المرأة ترى الكدرة والصفرة، (رقم 291)
[8] قوله: ((الخلاصة)) ليس في (المطبوع).
[9] قوله: ((المجموع عند مالك)) ليس في (المطبوع).
[10] قوله: ((المجموع عند الشافعي)) ليس في (المطبوع).
[11] قوله: ((ولحظتان)) ليس في (المطبوع).
[12] قوله: ((فالمجموع عند أحمد في المرجوع عنه)) ليس في (المطبوع).
[13] قوله: ((بدء)) ليس في (المطبوع).
[14] قوله: ((الخلاصة)) ليس في (المطبوع).