الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الاستحاضة

           ░8▒ (باب: الاسْتِحَاضَة)
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع» أي: ماذا حكمه؟
          وفي «هامشه» أشار الشَّيخ بذلك: إلى غرض المصنِّف بهذه التَّرجمة، وتوضيح ذلك أنَّه ورد في الرِّوايات أحكامٌ مختلفةٌ كثيرةٌ، كما بسطها أبو داود والطَّحاويُّ، وبوَّب أبو داود لكلِّ حكمٍ ترجمةً مستقلَّةً مِنَ الغسل لكلِّ صلاةٍ، والجمع بين الصَّلاتين، والغسل مرَّةً عند انقضاء الحيض، والغسل كلَّ يومٍ مرَّةً، والغسل عند الظُّهر خاصَّةً وغير ذلك.
          وذهب إلى كلِّ واحدٍ مِنَ الأحكام المذكورة ذاهبٌ مِنَ العلماء كما بُسط في «الأوجز»، ومذهب جمهور الفقهاء والأئمَّة الأربعة وجوب الغسل مرَّةً عند انقضاء الحيض، على الاختلاف بينهم في أنَّ انقضاءه يكون بالعادة أو التَّمييز، وعلى هذا فغرض المصنِّف بالتَّرجمة تأييد الجمهور بوحدة الغسل عند انقضاء الحيض خلافًا لِما تقدَّم مِنَ الأحكام المختلفة.
          لا يقال: إنَّه ليس في حديث الباب الاغتسال، لأنَّه سيأتي التَّصريح بذلك قريبًا في (باب: إذا حاضت في شهرٍ ثلاث(1) حيضٍ)، فإنَّه ذكر فيه هذا الحديث بعينه، وفي آخره: (وَلَكِنْ دَعِي الصَّلاة قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي)، وهذا مِنْ دأب المصنِّف المعروف وهو الأصل الحادي عشرَ مِنْ أصول التَّراجم، وهذا الغرض هو الأوجه عندي في التَّرجمة.
          ولا يبعد أيضًا أنَّه أشار بالتَّرجمة إلى مسألةٍ أخرى خلافيَّةٍ شهيرةٍ بين العلماء، لا سيَّما عند الحنفيَّة والمالكيَّة، وهي اعتبار العادة أو التَّمييز، اعتبرت الحنفيَّة الأوَّل وأنكرت الثَّانية، والمالكيَّة على عكس ذلك، والإمامان الشَّافعيُّ وأحمد اعتبرا كليهما، كما بسط في «الأوجز» بأنَّهما اعتبرا العادة في المعتادة المحضة والتَّمييزَ في المميِّزة المحضة، فإن كانت معتادةً ومميِّزةً معًا وتعارضت العادة والتَّمييز فالشَّافعيُّ رحمة الله عليه اعتبر التَّمييز، وأصحُّ قولي أحمد اعتبار العادة، وعلى هذا فكأنَّ(2) الإمام البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى هذا الاختلاف، وأشار بالرِّواية الواردة في الباب إلى [دلائل] الفريقين، ولم يقض فيها(3) بشيءٍ، فكأنَّ(4) التَّرجمة مِنَ الأصل الرَّابع مِنْ أصول التَّراجم، وأشار بلفظ: (إذا أقبلت) إلى التَّمييز، فإنَّ الإقبال والإدبار عندهم مِنْ ألفاظ التَّمييز، كما صرَّح به التِّرمذيُّ، وبلفظ: (ذهب قدرها) إلى العادة فإنَّه كالنَّصِّ على العادة، والبسط في «الأوجز»(5).
          ولا يشكل عليه / ما سيأتي قريبًا مِنْ (باب: إقبال المحيض) كما سيأتي قريبًا.


[1] في (المطبوع): ((ثلاثة)).
[2] في (المطبوع): ((فكان)).
[3] في (المطبوع): ((فيهما)).
[4] في (المطبوع): ((فكانت)).
[5] حاشية ابن عابدين1/656