الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض

           ░3▒ (باب: قِراءة الرَّجل في حَجْر امرأته...) إلى آخره
          بكسر الحاء المهملة وفتحها ثُمَّ بسكون الجيم، واختلفوا في غرض التَّرجمة، والأوجه عندي كما قال(1) ابن بطَّالٍ تأييدٌ للحنفيَّة، وردَّ على الشَّافعيَّة في مسألةٍ خلافيَّةٍ شهيرةٍ وهي جواز حمل المُحْدِث والجُنُبِ المصحف بعلَّاقته، وبه جزم صاحب «التَّوضيح» كما سيأتي مِنْ كلامه في مناسبته الحديث بالباب، قال ابن بطَّالٍ: غرض البخاريِّ في هذا الباب أن يدلَّ على جواز حمل الحائض المُصْحَف. انتهى.
          وتعقَّبه الكرمانيُّ بقوله: ليس غرض البخاريِّ أن يدلَّ على جواز حمل الحائض المصحف، بل الغرض هو مجرَّد ما ترجم في الباب عليه، وهو جواز القراءة بقرب موضع النَّجاسة، وكون المؤمن في حجر الحائض لا يدلُّ على جواز الحمل، ولهذا اتَّفقوا في جوازه واختلفوا في جواز الحمل. انتهى.
          ولا عجب في تعقُّب الكرمانيِّ، فإنَّهم(2) كلَّهم يتحاشَون أن يقولوا في موضعٍ: إنَّ غرض البخاريِّ الرَّدَّ عليهم، وليست هذه الجرأة إلَّا للحنفيَّة، فإنَّهم ينادون بصوت جهوريٍّ أنَّ في هذه التَّرجمة رد(3) علينا الحنفيَّة، وأنت خبيرٌ بأنَّ إثبات المسألة الخلافيَّة الشَّهيرة أليق بشأن تراجم البخاريِّ مِنْ إثبات مسألةٍ إجماعيَّةٍ.
          والحافظ ابن حجرٍ أيضًا فهم مِنْ ترجمة البخاريِّ ما فهمه ابن بطَّالٍ، لكنَّه جبن أن يفصح ذلك الغرض للبخاريِّ، والدَّليل على ما قلته أنَّه ☼ فهم ذلك أنَّه قال: وذلك أي: أثر أبي رَزِينٍ مَصِيرٌ منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف، لكن مِنْ غير مسِّه، ومناسبته لحديث عائشة مِنْ جهة أنَّه نظر حمل الحائض العلَّاقة الَّتي فيها المصحف بحمل الحائض المؤمن الَّذِي يحفظ القرآن، لأنَّه حامله في جوفه، وهو موافقٌ لمذهب أبي حنيفة، ومنعه الجمهور، وفرَّقوا بأنَّ الحمل مخلٌّ بالتَّعظيم(4)، والاتِّكاء لا يُسَمَّى في العُرف حملًا. انتهى.
          فهذه التَّرجمة عندي مِنَ الأصل الحادي والعشرين الَّذِي أفاده شيخ الهند. انتهى ما في «هامش اللَّامع» ملخَّصًا.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: وتأييد أثر أبي وائلٍ لهذه التَّرجمة ظاهرٌ، فإنَّ فيه تلبُّسًا بنقشه كما أنَّ فيها تلبُّسًا بلفظه، يعني أنَّ النَّقش والألفاظ كلاهما محترمٌ، فلمَّا كان أبو وائلٍ يرسل خادمه بالمصحف فتأخذه بعلَّاقته، وفيه تلبُّس الحائض بنقوشه، فكذلك يجوز(5) قراءة القرآن في حجر الحائض وإن كان فيه تلبُّسٌ لألفاظه بالحائض بنوع مقارنةٍ. انتهى.
          ثُمَّ في المسألة اختلافٌ مشهورٌ، والحمل بعَلَّاقَتِه جَائزٌ عند الإمَامَين أبي حنيفة وأحمد، ومنع منه الإمامان مالكٌ والشَّافعيُّ، كما في «الأوجز» عن الموفَّق إذ قال: ويجوز حمله بعلَّاقته، وهذا قول أبي حنيفة، ومنع منه مالكٌ والشَّافعيُّ. انتهى.
          ووقع الغلط في نقل المذاهب في العيني إذ حكى / جواز الحمل عن الأئمَّة الأربعة.
          ثُمَّ حديث عائشة يناسب ظاهر ألفاظ التَّرجمة، وأمَّا على ما اخترت مِنْ غرضها تبعًا لابن بطَّالٍ وصاحب «التَّوضيح» فيحتاج إلى دقَّة نظرٍ، أشار إليها صاحب «التَّوضيح» إذ قال: وجه المناسبة حديث عائشة أنَّ ثيابها بمنزلة العلَّاقة، والشَّارع بمنزلة المصحف، لأنَّه في جوفه وحامله، إذ غرض البخاريِّ بهذا الباب الدِّلالة على جواز حمل الحائض المصحف. انتهى.
          وإليه أشار الشيخ قدس سره في ذكر مناسبة الأثر للباب.


[1] في (المطبوع): ((قاله)).
[2] في (المطبوع): ((فإنه)).
[3] في (المطبوع): ((ردًّا)).
[4] في (المطبوع): ((بالتنظيم)).
[5] في (المطبوع): ((تجوز)).