الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض

           ░13▒ (باب: دَلْك المَرأة نَفْسَها...) إلى آخره
          أشكل بأنَّه ليس في الحديث كيفيَّة الغُسل ولا الدَّلك، وكتب الشَّيخ في «اللَّامع» على قوله: (تَتَبَّعي بها أثر الدَّم...) إلى آخره، ولا يفيد التَّطيُّب إلَّا إذا كان بعد إزالة الدَّم عن ذلك الموضع، فثبت دلكه ضرورةً، لأنَّه لا يزول إلَّا بالدَّلك، وهذا إذا كان المراد بالنَّفس في التَّرجمة و(1)المقام المخصوص الَّذِي هو محَلُّ الدَّم، وإن أريد بالنَّفس ذات المرأة وسائر بدنها، فإثبات الدَّلك لها مجرَّد قياسٍ، لأنَّها لمَّا أُمرت بإزالة الوسخ عن هذا المقام بذاك الاهتمام وباستعمال الطِّيب أيضًا بعد الغسل والدَّلك فأولى أن يثبت ذلك لسائر بدنها، وقد توسِّخ في مدَّة ذاك، مع أنَّها تلابس المسلِمات، وتقبل على الرَّبِّ تبارك وتعالى في الصَّلوات والدَّعوات، وتتلبَّس بالملائكة فأولى أن تؤمر بتنظيف بدنها وإزالة أوساخه، ولا يحصل إلَّا بالدَّلك. انتهى.
          وفي «هامشه»: ما أفاده الشَّيخ واضحٌ وفي «تقرير مولانا حسين علي الفنجابي»: المناسبة أنَّ التَّتبُّع لزيادة النَّظافة ويضمُّ الدَّلك فإنَّ فيه النَّظافة، أو يقال: باستخراجه مِنْ صيغة التَّطهير للمبالغة. انتهى.
          وكذا في «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ» / إذ قال: دلك المرأة يستنبط مِنْ قوله: (تطهَّري)، وكذا مِنْ قوله: (تتبَّعي)، لأنَّهما مِنْ صيغة المبالغة، فإذا كان مبالغة الطَّهارة في باطن البدن كانت في ظاهره أيضًا بالدَّلك. انتهى.
          وفي أخرى له ☼ قوله: (تَتَبَّعي) أي: ضعي في داخل فرجك ليحصل له القوَّة ويندفع النَّتن، وليس هذا محلُّ التَّرجمة، بل محلُّ التَّرجمة حُذف مِنْ هذا الحديث، وفي الحديث اختصارٌ. انتهى.
          وهو مختار الحافظ في «الفتح» إذ قال: قيل: ليس في الحديث ما يطابق التَّرجمة.
          وأجاب الكرمانيُّ تبعًا لغيره بأنَّ تتبُّع الدَّم يستلزم الدَّلك، بأنَّ المراد مِنْ كيفيَّة الغسل الصِّفة المختصَّة بغسل المحيض وهي التَّطيُّب لا الاغتسال، وهو حسنٌ، وأحسن منه أنَّ المصنِّف أشار حسب عادته إلى الرِّوايات الدَّالَّة على ذلك، وإن لم يكن المقصود منصوصًا فيما ساقه، ففي روايةٍ أخرجها مسلمٌ: ((تأخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءها وسِدْرَها(2)، فتطهَّر فَتُحْسِن الطُّهَور، ثُمَّ تَصُبُّ على رَأسِها، فَتَدْلُكُه دَلْكًا شَدِيدًا حتَّى تَبْلُغَ شُؤُون رَأْسِها، أي: أُصُوله، ثُمَّ تصبُّ عليها الماء، ثُمَّ تأخذ فِرْصَة))(3)... الحديث، فهذا مراد التَّرجمة لاشتمالها على كيفيَّة الغسل والدَّلك. انتهى.
          ولا يبعد عندي أن تكون التَّرجمة شارحةً على الأصل الثَّالث والعشرين، والغرض منه الرَّدُّ على مَنْ حمل المسك على الطِّيب المعروف، كما حمله عليه بعضهم، وأكثر العلماء على أنَّ المراد مِنَ المسك الجلد، ليكون أنجح في الدَّلك، فالظَّاهر أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بلفظ: (الدَّلك) في التَّرجمة إلى أنَّ المراد منه ما يناسب الدَّلك لا الطِّيب، فإنَّه قد أثبته في التَّرجمة السَّابقة.


[1] في (المطبوع): ((هو)).
[2] في (المطبوع): ((وسدرتها)).
[3] بذل المجهود2/396