الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب أكل المضطر

          ░38▒ (باب: أَكْل المُضْطرِّ)
          أي: جواز أكل المضطرِّ مِنَ المَيِّتة، وفي بعض النُّسخ: <باب: إذا أكل المضطرُّ>. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وقالَ الحافظُ: كأنَّه أشار إلى الخلاف في ذلك وهو في موضعين: أحدهما في الحالة الَّتي يصحُّ الوصف بالاضطرار فيها ليباح الأكل، والثَّاني في مقدار ما يُؤْكَل. فأمَّا الأوَّل: فهو أن يصل به الجوع إلى حدِّ الهلاك، أو إلى مرض يُفْضِي إليه، هذا قول الجمهور، وعن بعض المالكيَّة تحديد ذلك بثلاثة أيَّام، قالَ ابنُ أبي جمرة: الحكمة في ذلك أنَّ في الميتة سُمِّيَّةً شديدةً فلو أكلها ابتداءً لأَهْلَكَتْه، فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سُمِّيَّة أشدَّ مِنْ سُمِّيَّة الميتة، فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرَّر. انتهى.
          وهذا إن ثبت حسنٌ بالغ في غاية الحسن.
          وأمَّا الثَّاني فذكر(1) في تفسير قوله تعالى: {مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ} [المائدة:3] وقد فسَّره قتادة بالمتعدِّي، وهو تفسير معنًى، وقال غيره: الإثم أن يأكل فوق سدِّ الرَّمق، وقيل: فوق العادة، وهو الرَّاجح لإطلاق الآية. انتهى.
          وفي «الأوجز»: قالَ الموفَّقُ: أجمع العلماء على تحريم الميتة على حال الاختيار، وعلى إباحة الأكل منه في الاضطرار، وكذلك سائر المحرَّمات، والأصل فيه قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} الآية [البقرة:173]، ويباح له الأكل ما يسدُّ الرَّمق ويأمن معه الموت بالإجماع، ويحرم ما زاد على الشِّبع بالإجماع، وفي الشِّبع روايتان: أظهرهما لا يباح، وهو قول أبي حنيفة وإحدى الرِّوايتين عن مالك وأحد القولين للشَّافعيِّ، والثَّانية يباح له الشِّبع، اختارها أبو بكر... إلى آخر ما بسط.
          وقالَ ابنُ رُشد: أمَّا مقدار ما يُؤكل فإنَّ مالكًا قال: حدُّ ذلك الشِّبَع والتَّزوُّد منها حَتَّى يجد غيرها، وقالَ الشَّافعيُّ وأبو حنيفة: لا يأكل منها إلَّا ما يمسك به الرَّمق، وبه قال بعض أصحاب مالك. انتهى.
          وبسط الكلام على مباحث تلك المسألة على ثمانية فصول في «الأوجز»، فارجع إليه لو شئت.
          وفي «هامش الجلالين» المعروف بـ«حاشية الجمل»: واختَلف العلماء في قدر ما يحلُّ للمضطرِّ أكلُه مِنَ الميتة على قولين: أحدهما: أن يأْكل مقدار ما يُمسك رَمَقه، وهو قول أبي حنيفة والرَّاجح عند الشَّافعيِّ، والقول الآخر: يجوز أن يأكل حَتَّى يشبع، وبه قال مالك. انتهى «خطيب».
          قالَ الحافظُ: قالَ الكَرْمانيُّ وغيره: عقَدَ البخاريُّ هذه التَّرجمة، ولم يذكر فيها حديثًا إشارة إلى أنَّ الَّذِي ورد فيها ليس [فيه شيء] على شرطه، فاكتفى بما ساق فيها مِنَ الآيات، ويُحْتمل أن يكون بُيِّضَ فانضمَّ بعض ذلك إلى بعض عند تبييض الكتاب.
          قلت: والثَّاني أوجَهُ، واللَّائق بهذا الباب على شرطه حديث جابر في قصَّة العنبر، فلعلَّه قصد أن يذكر له طريقًا أخرى. انتهى.
          ثمَّ البراعة عندي في قول: المضطر والدَّم المسفوح. /


[1] في (المطبوع): ((فذكره)).