الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد أو الذائب

          ░34▒ (باب: إذَا وَقَعَت الفَأْرَة في السَّمْنِ الجَامِدِ أَو الذَّائِبِ)
          أي: هل يفترق الحكم أو لا؟ وكأنَّه ترك الجزم بذلك لقوَّة الاختلاف، وقد تقدَّم في الطَّهارة ما يدلُّ على أنَّه يختار أنَّه لا ينجس إلَّا بالتَّغيُّر، ولعلَّ هذا هو السِّرُّ في إيراده(1) طريق يونس المشعرة بالتَّفصيل، قاله الحافظ.
          ثم قال تحت حديث الباب: واستُدِلَّ بهذا الحديث لإحدى الرِّوايتين عن أحمد: أنَّ المائع إذا حلَّت فيه النَّجاسة لا ينجس إلَّا بالتَّغيُّر، وهو اختيار البخاريِّ وقول ابن نافعٍ مِنَ المالكيَّة وحُكيَ عن مالك. وفرَّق الجمهور بين المائع والجامد، وقد تمسَّك ابن العربيِّ بقوله: (وما حولها) على أنَّه كان جامدًا، قال: لأنَّه لو كان مائعًا لم يكن له حول، وأمَّا ذكر السَّمن والفأرة فلا عمل بمفهومهما، وجمد ابن حزم على عادته فخصَّ التَّفرقة بالفأرة فلو وقع غير جنس الفأر(2) مِنَ الدَّوابِّ في مائعٍ لم ينجس إلَّا بالتَّغيُّر. انتهى مِنَ «الفتح».
          وبسط الكلام على المسألة في «الأوجز» وفيه: قالَ الحافظُ: أخذ الجمهور بحديث مَعْمَر الدَّالِّ على التَّفرقة بين الجامد والذَّائب، ونقل ابن عبد البرِّ الاتِّفاق على أنَّ الجامد إذا وقعت فيه ميتة طُرِحَت وما حولها منه إذا تحقَّق أنَّ شيئًا مِنْ أجزائها لم يصلْ إلى غير ذلك، وأمَّا المائع فاختلفوا فيه، فذهب الجمهور إلى أنَّه ينجس كلُّه بملاقاة النَّجاسة، وخالف فريق منهم الزُّهْريُّ والأَوزاعيُّ. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ العَينيُّ: ويقاس على السَّمن الجامد نحوُ العسل والدِّبْس إذا كان جامدًا، وأمَّا المائع فذهب الجمهور / إلى أنَّه ينجس كلُّه قليلًا كان أو كثيرًا، وشذَّ قوم فجعلوا المائع كالماء، وسلك داود في ذلك مسلكهم إلَّا في السَّمن الجامد والذَّائب، فإنَّه تبع ظاهرَ هذا الحديث، وخالف معناه في العسل والخلِّ وسائر المائعات. انتهى.
          وقالَ الموفَّقُ: إنَّ النَّجاسة إذا وقعت في مائع غير الماء نجَّسته وإن كَثُر، وهذا ظاهر المذهب، وعن أحمد رواية أخرى: أنَّه كالماء لا ينجس إذا كثُر، أيْ: بَلَغَ القُلَّتَين... إلى آخر ما في «الأوجز». وتقدَّم شيء مِنَ الكلامِ على المسألة في كتاب الطَّهارة في (باب: ما يقع مِنَ النَّجاسات في السَّمن والماء).
          والحاصل أنَّ الإمام البخاريَّ ⌂ لم يفرِّق بين مسألة الماء والمائع، وكذا لم يفرِّق بين المائع والجامد، خلافًا للجمهور فإنَّهم فرَّقُوا بين مسألة الماء والمائع غير الماء، وكذا بين الجامد وغير الجامد، وقد تكلَّم صاحب «الفيض» على تحقيق مسلك المصنِّف في مسألة الباب، فارجع إليه لو اشتقت..


[1] في (المطبوع): ((إيراد)).
[2] في (المطبوع): ((الفأرة)).