الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الوسم والعلم في الصورة

          ░35▒ (باب: العَلَم والوَسْمِ في الصُّورَة)
          (العَلَم)_بفتحتين_: العلامة، والوسْم بالسِّين المهملة وقيل بالمعجمة، ومعناهما واحد، وهو: أنْ يُعْلِم الشَّيء بشيء يؤثِّر فيه تأثيرًا بليغًا، وأصل ذلك أن يُجْعَل في البهيمة ليميِّزَها عن غيرها، وقيل: الوسم_بالمهملة_ في الوجه، وبالمعجمة: في سائر الجسد، فعلى هذا الصَّوابُ بالمهملة_أي في التَّرجمة_ لقوله: (في الصُّورة). وفي «التَّوضيح»: الوسْم في الصُّورة مكروه عند العلماء، كما قاله ابن بطَّالٍ، وعندنا: حرام.
          وقالَ النَّوويُّ: الضَّرب في الوجه منهيٌّ عنه في كلِّ حيوان محترم لكنَّه في الآدميِّ أشدُّ، لأنَّه مَجْمَع المحاسن، وأمَّا الوسْم ففي الآدميِّ حرام وفي غيره مكروه.
          قالَ الكَرْمانيُّ: وفي الوسْم(1) في نحو نَعَم الصَّدَقة في غير الوجه مستحبٌّ، وقال أبو حنيفة: مكروه، لأنَّه تعذيب ومُثْلَة. انتهى مِنْ كلام العينيِّ.
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: (في آذانها) وكان ذلك لعذر هناك. انتهى.
          وفي «هامشه»: أوَّلَه الشيخ قُدِّس سرُّه لكون ظاهر الحديث مخالفًا لمسلك الحنفيَّة، قالَ الحافظُ: وفي الحديث حجَّة للجمهور في جواز وسم البهائم في الكيِّ، وخالف فيه الحنفيَّة تمسُّكًا بعموم النَّهي عن التَّعذيب بالنَّار. انتهى.
          وأجاب عن الحديث صاحبُ «التَّيسير» بأنَّه يحتمل أنَّ حديث الباب لم يثبت أو لم يصحَّ عند الحنفيَّة. انتهى.
          قلت: بل الجواب أنَّه يجوز الكيُّ عندنا الحنفيَّة، صرَّح به ابن عابدين إذ قال: لا بأس بكيِّ البهائم للعلامة وثقبِ أُذُن الطِّفل مِنَ البنات، لأنَّهم كانوا يفعلونه في زمن رسول الله صلعم مِنْ غير إنكار. انتهى.
          وفي «البذل» في قوله صلعم: ((أمَا بَلَغَكُم أَنِّي لَعَنْتُ مَنْ وسَمَ البهيمة في وجهها...)) الحديث، كتب مولانا محمَّد يحيى المرحوم مِنْ «تقرير شيخه» ☺ : الوسم لا ضير فيه، إذا اشتمل على فائدة بعد ألَّا يكون في الوجه، لأنَّه في الوجه يقبِّح الوجه ويعود على بعض الحواسِّ بالإبطال أو بالإفساد كالباصرة. انتهى.
          قلت: وقد تقدَّم التَّبويب في الزَّكاة: بقوله: (باب: وَسْم الإمَام إبلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِه) وتقدَّم هناك أيضًا ذكرُ الخلاف في المسألة.


[1] في (المطبوع): ((قال الكرماني: والوسم)).