الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {أحل لكم صيد البحر}

          ░12▒ (باب: قول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة:96])
          قالَ العلَّامةُ العَينيُّ: روى سعيد بن جُبير وسعيد بن المسيِّب عن ابنِ عبَّاسٍ في قوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} يعني: مايُصْطَاد منه طريًّا {وَطَعَامُهُ} ما يتزوَّد منه مليحًا يابسًا. انتهى.
          قوله: (وقال عمر ☺ :...) إلى آخره، وصله المصنِّف في «التَّاريخ» وعبد بن حُميد عن أبي هريرة قال: لمَّا قَدِمْتُ البَحْرَين سَأَلنِي أَهْلُها عمَّا قَذَف البَحْرُ، فأَمَرْتُهم أن يأكُلُوه، فلمَّا قَدِمْتُ على عُمَرَ_فذكر قصَّته_ قال: فقال عمر ☺ : قال الله ╡ في كتابه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة:96] فصَيدُه مَا صِيدَ وطَعَامُه مَا قَذَفَ بِه. انتهى.
          قلت: اختلفوا في تفسير قوله تعالى: {وَطَعَامُه}، ففي «تفسير الجلالين»: {وَطَعَامُهُ} ما يقذفه إلى السَّاحل ميتًا. انتهى.
          وفي «هامشه» كذا فسَّر عمرُ وابنُه وابنُ عبَّاس وأبو هريرة كما حكاه البَغَويُّ، وبه قالَ الشَّافعيُّ: إنَّه يحلُّ أكلُ جميع صيود البحر وما ألقاه ميتًا، وقالَ الزَّمَخْشَريُّ: صيدُ البحر: مَصيداته ممَّا يُؤْكَل ولا يُؤْكَل، وطَعَامُه ما يُطْعَمُ مِنْ صَيْدِه، والمعنى: أُحلَّ لكُمُ الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحلَّ لكم أكلُ المأكول منه، وهو السَّمك وحده. انتهى.
          وهذا [على] قول أبي حنيفة أنَّه لا يحلُّ مِنَ البحر إلَّا السَّمك، ولا يحلُّ أكل الطَّافي، وقيل: صَيْدُه طريُّه، وطعامه مالحُه. انتهى.
          قوله: (وقال أبو بكر: الطَّافي حلال) وصله أبو بكر بن أبي شَيبة والطَّحاويُّ والدَّارَقُطْنيُّ مِنْ رواية عبد الملك بن أبي بشير عن عِكْرِمة عن ابنِ عبَّاسٍ قال: أشهد على أبي بكر أنَّه قال: السَّمكة الطَّافية حلال. انتهى.
          والطَّافي_بغير همزٍ_ مِنْ طَفَا يَطْفُو إذا علا الماءَ ولم يرسب. انتهى مِنَ «الفتح».
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: قوله: الطَّافي حلال، وأنت تعلم أنَّ التَّرجيح عند اجتماع المحرِّمِ والمبِيحِ للمُحَرِّمِ لا غيرُ. انتهى.
          وفي «هامشه»: أشار الشَّيخ بذلك إلى اختلاف الرِّوايات فيه كما بسط في «الأوجز»، والمسألة خلافيَّة شهيرة، وهي أنَّ الطَّافيَ مباحٌ عند الأئمَّة الثَّلاثة وغيرُ مباح عندنا الحنفيَّة، وبقولهم قال جماعةٌ مِنَ الصَّحابةِ والتَّابعين بُسطت أسماؤهم في «الأوجز»، وفيه: ولنا حديث جابر مرفوعًا: ((ما ألقَى البَحْرُ أو جَزَر عَنْهُ فكُلُوه، ومَا مَاتَ فِيه فَطَفَا فَلا تَأْكُلُوه)) رواه أبو داود، وَمَا تَكَلَّمُوا عليه أجاب عنه الزَّيْلعيُّ ولخَّص كلامَه الشَّيخُ في «البذل»، وأكثر ما أوردوا عليه أنَّه موقوف، قالَ القاريُّ في «المرقاة»: لا يضرُّ وقفُه، فإنَّ الموقوف في هذا كالمرفوع كما هو المعروف... إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع».
          قوله: (وأمَّا الطَّيرُ فأَرَى أَنْ يَذْبَحَه...) إلى آخره، كتبَ الشَّيخُ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: أي: مائِيُّ المَعَاش غير مائِيِّ المولد، وقوله: (أَصَيْدُ بَحْرٍ؟ قَالَ: نَعَم) وكان منشأُ سؤالِه اختصاصَ البحر بالمعظم منه المحيط بأقطار العالم وهو مالح، ولذلك استدلَّ / على دفع توهُّمه بقوله تعالى: {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان:53]، ليُظْهِر أنَّ الحكم فيهما سواء، وإذا ثبت الحكمُ في البحر العذب ثبت في الأنهار والقِلات(1) وغير ذلك قياسًا.
          قوله: (قال أبو الدَّرداء في المُرِي...) إلى آخره، يعني: أنَّه استُفتِي في المُرِيِ ماذا حُكْمُه؟ فقال: إنَّه حلالٌ أحلَّه الحيتان ذوات الملح إلا أنَّه عبَّر عن الحلِّ بالذَّكَاة لِما أنَّها سببه. انتهى.
          وبسط الكلام على هذه الأقوال في «هامش اللَّامع»، وفيه أيضًا: قالَ الحافظُ: وكان أبو الدَّرداء وجماعة مِنَ الصَّحابةِ يأكُلُون هذا المُرِي المعمول بالخمر، وأدْخَلَه البخاريُّ في طهارة صيد البحر، يريد أن السَّمك طاهرٌ حلال، وأنَّ طهارتَه وحِلَّه يتعدَّى إلى غيره كالملح، حَتَّى يصير الحرام النَّجس بإضافتها إليه طاهرًا حلالًا، وهذا على رأي مَنْ يجوِّز تخليل الخمر، وهو قول أبي الدَّرداء وجماعة. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ العَينيُّ: إنَّ أبا الدَّرداء ممَّن يرى جواز تخليل الخمر، وهو مذهب الحنفيَّة. انتهى.
          قلت: والمسألة خلافيَّة شهيرة، ذكر هاهنا في «هامش اللَّامع» فارجع إليه لو شئت.


[1] في (المطبوع): ((والفلات)).