التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء

          6147- قوله: (حَدَّثَنَا(1) مُحَمَّدُ بْن بَشَّارٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه بفتح المُوَحَّدة، وتشديد الشين المُعْجَمَة، وأنَّه بُنْدَار، وبُنْدَارٌ لقبٌ لمُحَمَّد، وتَقَدَّمَ ما معنى (البُنْدَار) [خ¦69]، و(ابْنُ مَهْدِيٍّ): هو عبد الرَّحْمَن، أحد الأعلام، و(سُفْيَانُ) بعده: لم أرَ مَن عيَّنه مَن هو منهما، وابن مهديٍّ روى عنهما، وهما عن عبد الملك بن عُمير، والله أعلم، و(عَبْدُ الْمَلِكِ): هو ابن عُمير، و(أَبُو سَلَمَةَ): هو ابن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عبدُ الله، وقيل: إسماعيل، تَقَدَّمَ مِرارًا، و(أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ مِن نحو ثلاثين قولًا.
          قوله: (كَلِمَةُ لَبِيدٍ): تَقَدَّمَ بعضُ الكلام على (لَبِيد) هذا، وأنَّه ابن ربيعة بن مالك، صَحَابيٌّ مشهورٌ، وأنَّه تُوُفِّيَ في خلافة عثمانَ، وقيل: في أوَّل خلافة معاوية، والأوَّل أصحُّ [خ¦3841].
          قوله: (مَا خَلَا اللهَ بَاطِلُ): المراد به الخصوصُ؛ لأنَّ كلَّ ما قرَّب إلى الله تعالى؛ فليس بباطلٍ، وإنَّما أراد: كلُّ شيءٍ مِن أمر الدُّنيا الذي لا يؤول إلى طاعة الله ولا يقرِّب منه؛ فهو باطلٌ، قاله ابن بَطَّال، وقال الداوديُّ: (أراد به: ما عدا الأنبياءَ، والرُّسُل، والملائكة، والكتب، والبعث، وأراد: «ما خلا الله»: ما لم يكن لله)، نقله شيخنا عنهما، والله أعلم.
          وقال الإمام السُّهَيليُّ لمَّا ذكره: (وليس فيه ما يُشكل غير سؤالٍ واحدٍ، وهو قوله ◙: «أصدقُ كلمة قالها الشاعر قولُ لبيد: أَلَا كلُّ شيء ما خلا اللهَ باطلُ»، فصدَّقه في هذا القول، وهو يقول ◙ في مناجاته: «أنت الحقُّ، وقولك الحقُّ، ووعدك الحقُّ، والجنَّة حقٌّ، والنار حقٌّ، ولقاؤك حقٌّ»، فكيف يجتمع هذا مع قوله: «أَلَا كلُّ شيء ما خلا الله باطلُ؟»، فالجوابُ من وجهين؛ أحدهما: أن يريد بقوله: «ما خلا اللهَ»؛ أي: ما عداه، وعدا رحمته التي وعد بها، فإنَّ وَعْدَه حقٌّ، وما عدا عقابه الذي يوعِد به، والباطل ما سواه، والجنَّة ما وعد به مِن رحمته، والنار ما يوعِد به مِن عقابه، وما سوى هذا؛ فباطلٌ؛ أي: مُضْمَحِلٌّ، والجواب الثاني: أنَّ الجنَّة والنار وإن كانتا حقًّا؛ فإنَّ الزوال عليهما جائزٌ لذاتهما، وإنَّما يبقيان بإبقاء الله لهما، وأنَّه يخلق الدوام لأهلهما على قول مَن جعل الدوام والبقاءَ معنًى زائدًا على الذات، وهو قول الأشعريِّ، وإنَّما الحقُّ على الحقيقة مَن لا يجوز عليه الزوالُ، وهو القديم الدائم الذي انعدامه محالٌ؛ ولذلك قال ◙: «أنت الحقُّ»؛ بالألف واللام؛ أي: المستحِقُّ لهذا الاسم على الحقيقة، و«قولك الحقُّ»؛ لأنَّ قولَه قديمٌ، وليس بمخلوق فيبيدَ، و«وعدك الحقُّ» كذلك؛ لأنَّ وعدَه كلامُه، هذا مقتضى الألف واللام...)، ثُمَّ ذكر تتمَّة كلامه، وهو حسنٌ؛ فراجعه إن أردته، والله أعلم.
          قوله: (وَكَادَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَنْ يُسْلِمَ): هذا مِن قوله صلعم، وسيجيءُ مِن كلامي التصريحُ بأنَّه مِن كلامه ◙، كما في «مسلم»، واعلم أنَّ أُمَيَّة بن أبي الصلت هذا سمع ◙ شِعرَه الذي فيه حكمةٌ، واسم أبي الصلت: عبدُ الله بن ربيعة بن عوف بن عقدة بن غِيَرة _بكسر الغين المُعْجَمَة_ ابن قسيٍّ _وهو ثقيفٌ_ الثقفيُّ، كان أُمَيَّة هذا يتعبَّد في الجاهليَّة، ويؤمن بالبَعث، وينشد في إثباته الشِّعر، وأدرك الإسلام، ولم يُسلِم، روى مسلمٌ في «صحيحه» مِن حديث الشَّريد بن سويد قال: (رَدِفْتُ النَّبيَّ صلعم يومًا، فقال: «هل معَكَ مِن شِعرِ أُمَيَّةَ بنِ أبي الصَّلْت شيءٌ؟»، قلتُ: نعم، قال: «هِيه»، فأنشدتُه بيتًا، فقال: «هيه»، ثُمَّ أنشدتُه بيتًا، فقال: «هيه»، حتَّى أنشدتُه مئةَ بيتٍ، فقال: «إنَّه كاد ليُسلم»)، وفي رواية: «كاد يُسلِم في شِعره»، وقد تَقَدَّمَ غير هذه المرَّة [خ¦3841]؛ فانظره إن شئتَ، وقد قال صلعم يومًا لأخته الفارعة _وهي صحابيَّة_: «هل تحفظين شيئًا مِن شِعر أخيك؟»، فأخبرته خبرَه، وما رأت منه، وقصَّت عليه قصَّته في شقِّ جوفه، وإخراج قلبه، ثُمَّ صرفه مكانه وهو نائمٌ، وأنشدت له الشِّعر الذي أوَّله: [من المنسرح]
بَاتَتْ هُمُومِي تَسْرِي طَوَارِقُهَا                     أَكُفُّ عَيْنِي والدَّمْعُ سَابِقُهَا
          نحو ثلاثةَ عشرَ بيتًا، ذكر ابن عَبْدِ البَرِّ في «الاستيعاب» في ترجمة أخته الفارعة منها أربعةَ أبياتٍ، قال ابن عَبْدِ البَرِّ: (وفي الخبر حضور وفاته، وأنَّه قال عند المعاينة [من الرجز]:
إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا                     وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلمَّا) /
          ثُمَّ قال بيتَين ذكرهما ابنُ عَبْدِ البَرِّ، ثُمَّ مات، فقال لها رسول الله صلعم: «يا فارعة؛ مَثَل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته، فانسلخ منها، فأتبعَه الشيطانُ، فكان مِنَ الغاوين»، ذكر الخبرَ بتمامه ابنُ إسحاق عن ابن المُسَيِّـَب، قال أبو عمر: (أنا اختصرتُه)، ثُمَّ ذكر سنده به.


[1] كذا في (أ) تبعًا لهامش(ق) و«اليونينيَّة».