التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب تسمية الوليد

          قوله: (بَابُ تَسْمِيَةِ «الْوَلِيدِ»): اعلم أنَّ البُخاريَّ إنَّما بوَّب بهذا الباب؛ ليَرُدَّ على الحديث الواردِ في النهي عَن ذلك، وقد رواه الإمام أحمدُ في «مسنده»، فقال: (حدَّثنا أبو المغيرة: حدَّثنا ابن عيَّاش: حدَّثني الأوزاعيُّ وغيره عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن سعيد بن المُسَيِّـَب، عن عمرَ بنِ الخَطَّاب ☺ قال: وُلِد لأخي أمِّ سلمة زوجِ النَّبيِّ صلعم غلامٌ، فسمَّوه الوليدَ، فقال النَّبيُّ صلعم: «سمَّيتُمُوهُ بأسماءِ فراعِنَتِكُم، ليكوننَّ في هذه الأمَّة رجلٌ يُقالُ له: الوليد، هو أشرُّ(1) على هذه الأمَّة مِن فرعونَ لقومه» [خ¦109])، سعيد بنُ المُسَيِّـَب اختُلِف في سماعه مِن عمرَ ☺، والصحيحُ: أنَّه لم يسمع منه، وذهب أحمدُ إلى أنَّه سمع منه، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزيِّ في «موضوعاته» من طريق أحمدَ هذا الحديثَ، ثُمَّ نقل عن ابن حِبَّانَ: (أنَّه خبر باطلٌ، ما قاله رسول الله صلعم، ولا رواه عمرُ، ولا حدَّث(2) به سعيدٌ ولا الزُّهْرِيُّ، ولا هو مِن حديث الأوزاعيِّ بهذا الإسناد...) إلى آخر كلامه، وقد اعترض بعضُ حُفَّاظ العَصْرِ هذا الكلامَ بكلامٍ فيه طولٌ، والله أعلم.
          وقال شيخُنا لمَّا ذكر الحديثَ في الباب ما لفظه: (وهذا يردُّ ما رُوِيَ عَن مَعْمَر عن الزُّهْرِيِّ قال: بلغني: أراد رجلٌ أن يُسمِّيَ ابنًا له الوليدَ، فنهاه رسولُ الله صلعم، وقال: «إنَّه سيكون رجلٌ يُقال له: الوليد، يعمل في أمَّتي كما عمل فرعونُ في قومه»، وهذا بلاغٌ، وحديثُ الباب هو الحُجَّةُ، واعترض ابنُ التِّين فقال: لا يظهرُ لي فيه ردٌّ؛ لأنَّ الوليدَ لم يسمِّه النَّبيُّ صلعم، وإنَّما ذلك اسمُه)، انتهى، وجوابُه: أنَّه أقرَّه، ففي إقراره دليلٌ على جوازه، والله أعلم، وشيخُنا لم يَقِف على الحديث مِن عند أحمدَ، وقد ذكر هذا المتنَ الحاكمُ في «المستدرك» في (كتاب الفتن والملاحم)، فرواه مِن طريق نُعيم بن حَمَّاد عَنِ الوليد، عَنِ الأوزاعيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابن المُسَيِّـَب، عَن أبي هريرة...؛ فذكره، ولم يتعقَّبه الذَّهَبيُّ في «تلخيصه»؛ فاعلمْه، والله أعلم.


[1] فوقه في (أ): (كذا)، وفي المطبوع: (شر)، وأُشير في هامش طبعة (مؤسسة الرسالة) إلى وجود نسختين هما: (أشر)، و(أشد).
[2] في (أ): (حدثت)، والمثبت من مصدره.