التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير

          قوله: (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ؛ نَحْوَ قَوْلِهِمُ: الطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ...، وَمَا لَا يُرَادُ بِهِ شَيْنُ الرَّجُلِ): (يُرَادُ): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(شَيْنُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، [و(الشَّيْنُ): هو العَيبُ](1)، و(الطويلُ): مَرْفُوعٌ، و(القصيرُ): معطوفٌ عليه، ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب / على عادته، ثُمَّ قال: (أشار البُخاريُّ في الترجمة إلى أنَّ مثلَ هذا إن كان للبيان والتمييز كما ورد في الحديث؛ فهو الجائزُ، وإن كان في غير هذا السِّياق كالتنقيص والتعييب؛ فهذا الذي لا يجوز، وإشارةُ عائشةَ ♦ في بعض الحديث إلى المرأة التي دخلت عليها ثُمَّ خرجت، فأشارت عائشةُ بيدها أنَّها قصيرةٌ، فقال النَّبيُّ صلعم: «اغتبتِها»؛ لأنَّ عائشة ♦ لم تفعل هذا بيانًا، [وإنَّما] قصدت إلى الإخبار عن صفتها خاصَّةً، ففُهِم التعييبُ، فنُهِيَت)، انتهى، وهذه المرأةُ لا أعرفها، غير أنَّ عائشةَ قالت للنَّبيِّ صلعم: (حسبُكَ مِن صفيَّةَ كذا وكذا)، قال بعضُ الرُّواة؛ تعني: قصيرةً، فقال النَّبيُّ صلعم: «لقد قُلتِ كلمةً لو مُزِجت بماء البحر؛ لمزجتْهُ»، رواه أبو داود، والتِّرْمِذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، والحديثُ الذي ذكره ابن المُنَيِّر ذكره ابنُ أبي الدُّنيا وابنُ مردويه من رواية حسَّان بن مُخارِق عن عائشة ♦، ولفظها: (دخلَتْ عليها امرأةٌ فأومأتُ بيدي؛ أي: قصيرة، فقال النَّبيُّ صلعم: «اغتبتِها»).
          ثُمَّ اعلم أنَّ اللَّقبَ ينقسم إلى ما يجوز التعريف به؛ وهو ما لا يكرهُه الملقَّب، وإلى ما لا يجوز؛ وهو ما يكرهُه الملقَّب، كذا قال ابنُ الصلاح أبو عمرو الشَّافِعيُّ في «علومه» في (الألقاب)، وكذا قال في (آداب المحدِّث)، ولفظه: (ولا بأس بذكر مَن يروي عنه بما يُعرَف به مِن لقبٍ؛ كغُنْدَُر...) إلى أن قال: (أو نسبةٍ إلى أمٍّ عُرِف بها؛ كيعلى ابن مُنْيَة، أو وصفٍ بصفةِ نقصٍ في جسده عُرِف بها؛ كسليمانَ الأعمشِ، وعاصمٍ الأحول، إلَّا ما يكرهه من ذلك، كما في إسماعيل بن إبراهيم المعروفِ بابن عُلَيَّةَ)، انتهى.
          وقال الشيخ محيي الدين النَّوَويُّ: (إنَّه يجوزُ إذا كان يُعرَف بذلك، ويحرمُ إطلاقُه عليه على جهة النقص)، ذكر ذلك في «شرح مسلم»، وفي (باب الغِيبة) من «رياضه»، وهذا الذي قاله البُخاريُّ في هذه الترجمة، وهو غير ما قاله ابن الصلاح، والله أعلم.
          قوله: (مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ): تَقَدَّمَ أنَّ اسمَ ذي اليدينِ الخِرْباقُ _بكسر الخاء المُعْجَمة، وإسكان الراء، ثُمَّ مُوَحَّدة، ثُمَّ ألف، ثُمَّ قاف_ ابنُ عَمرو، من بني سُلَيم، وليس هو ذا الشِّمَالَينِ الذي قُتِل يوم بدر؛ لأنَّ ذا الشِّمالينِ خزاعيٌّ قُتِل يوم بدر، وذو اليدينِ عاشَ بعد النَّبيِّ صلعم زمانًا حتَّى رأى المُتَأخِّرينَ مِنَ التابعين، واستدلَّ العلماء لما ذكرتُه: بأنَّ أبا هريرة ☺ حضرَ قصَّة السهو في الصَّلاة، كما في «الصحيحين» [خ¦6051]، وفيها: (فقال له ذُو اليدينِ...)؛ الحديثَ، وقد أجمعوا على أنَّ أبا هُرَيرةَ إنَّما أسلم عام خيبر سنة سبعٍ في أوَّلها(2)، أو في آخر سنة ستٍّ؛ على اختلاف القولينِ، وذلك بعد بدرٍ بسنينَ، وكان الإمام الزُّهْرِيُّ يقول: (إنَّ ذا اليدينِ هو ذو الشِّمالينِ، وإنَّه قُتِل ببدر، وإنَّ قصَّته في الصلاة كانت قُبَيل بدرٍ)، وتابعه أصحابُ أبي حنيفة على هذا، وقالوا: كلام النَّاسي في الصَّلاة يبطلُها، وادَّعَوا أنَّ هذا الحديثَ منسوخٌ، والصوابُ ما سبق، وقد أطنب العلماءُ مِنَ المحدِّثينَ في إيضاح هذا، والله أعلم، وقد قَدَّمْتُ ذلك في (الصَّلاة) [خ¦482]، ولكن طال العهدُ به.


[1] ما بين معقوفين مستدرك في (أ) لاحقًا بعد قوله: (والطويل: مرفوع)، ولعلَّ المُثبتَ هو الصَّوابُ.
[2] في (أ): (أول)، ولعلَّ المثبت هو الصَّواب، وانظر الحديث ░209▒.