التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والريب

          قوله: (بَابُ مَا يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالرِّيَبِ): صريحُ تبويبِه معَ استدلاله بالحديث الذي ذكره: أنَّه قائلٌ بأنَّ الفاسقَ لا غِيبة له، وكذا عزا الشيخ محيي الدين هذا المذهبَ إليه، وأنَّه استدلَّ بهذا الحديث المذكور هنا، وقد جاء حديثٌ لفظُه: «مَن ألقى جِلْباب الحياء عَن وجهه؛ فلا غِيبة له»، رواه ابن عديٍّ، وأبو الشيخ بن حَيَّان في كتاب «ثواب الأعمال» مِن حديث أنسٍ بسند ضعيف، وفي حديثٍ: «اذكروا الفاسقَ بما فيه؛ يحذره النَّاسُ»، رواه الطَّبَرانيُّ مِن حديث بَهْز بن حَكِيم عن أبيه عن جدِّه: قال رسول الله صلعم: «متى ترعون عن ذكر الفاسق؟! اذكروه بما فيه؛ يحذره النَّاس»، وقال: (تفرَّد به عبد الوهَّاب بن همَّام أخو عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَر عن بَهْز)، قال بعض مشايخي: (لم ينفرد به، فقد رواه الحاكم أبو عبد الله في «تاريخ نيسابور» مِن حديث الجارود بن يزيد عَن بَهْزٍ، فذكره بلفظ: «أتُرعون عَن ذكر الفاجر؟! اذكروه بما فيه؛ كي يحذرَه النَّاسُ»، وكذا أخرجه البيهقيُّ في «سننه» في أثناء «الشهادات» عَنِ الحاكم بهذا اللفظ، لكنَّه قال: «يعرفه النَّاسُ ويحذره النَّاس»...) إلى آخر كلام شيخنا في ذلك، وحديثٌ آخرُ لفظه: «لا غِيبة لفاسقٍ»، أخرجه وعزاه شيخُنا العِرَاقيُّ في مكانٍ إلى ابن عديٍّ وابن حِبَّانَ في «الضعفاء» نحوه مِن حديث أنس، وهو ضعيفٌ أيضًا، انتهى.
          أمَّا الفاسق المُتظاهِرُ بفسقه؛ فإنَّه تجوز غِيبته، وأمَّا المختفي بفسقه؛ فلا أعلم مَن قال به غير البُخاريِّ، والغِيبة وإن كانت(1) محرَّمةً؛ فإنَّها تُباح عند أحد ستَّة أمورٍ نظمها بعضُهم، فقال: [مِنَ الرَّجز]
لَقَبٌ وَمُسْتَفْتٍ(2) وفِسْقٌ ظَاهِرٌ                     والظُّلْمُ تَحْذِيرٌ مُزِيلُ المُنْكَرِ
          وقد زاد بعضُهم على هذه السِّتَّة أماكنَ، فبلَّغها سبعةَ عشرَ موضعًا بهذه السِّتَّة، وهي في بعضها متداخلةٌ، وهي صغيرةٌ، كما قاله الرافعيُّ في أصحِّ الوجهين، وليست كبيرةً، والصوابُ أنَّها كبيرةٌ، فقد نقله الكرابيسيُّ في كتابه القديم المعروف بـ«أدب القضاء» فيما رواه عَنِ الشَّافِعيِّ، واستدلَّ بقوله: «إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرامٌ؛ كحرمةِ يومِكُم هذا...»؛ الحديثَ، وهو صريحٌ فيما قاله، وفي حفظي أنَّ القرطبيَّ قال: إنَّها كبيرةٌ بالإجماع، والله أعلم.
          قوله: (وَالرِّيَبِ): هو بكسر الراء، وفتح المُثَنَّاة تحت، جمع (رِيبةٍ)، وكذا أحفظُه.


[1] في (أ): (وإنت كان)؛ وذلك أنَّه ألحق التاء بـ(إن) بدلًا من (كان)، وهو سبق قلم.
[2] في (أ): (ومستف)، ولعلَّ المثبت هو الصواب.