التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الغيبة

          قوله: (بَابُ الْغِيبَةِ): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب، ثُمَّ قال: (بوَّب على الغِيبة، وذكر النميمةَ؛ تنبيهًا على اجتماعِهما في المعنى؛ وهو الذِّكْر بظهر الغيب بما يكرهُ الإنسانُ أن يُذكَرَ(1) عنه، وألحقَ الغِيبة بالنَّميمة بطريق الأَولى؛ إذِ النميمةُ قد لا يكون فيها تنقيصٌ، والغِيبةُ لا تخلو منه، فهي حرام(2))، انتهى، والذي ظهر: أنَّه إنَّما بوَّب على الغِيبة، وذكر الحديثَ المذكورَ؛ لأنَّه رُوِيَ بذكر الغِيبة مِن حديث ابن عَبَّاس هذا، رواه كذلك أبو داود الطيالسيُّ، ولفظه: «أمَّا أحدُهما؛ فكانَ يأكلُ لحومَ النَّاسِ» [خ¦2646]، وكأنَّ هذا الحديثَ ليس على شرطه _ فإنِّي لم أنظر سندَه، وسيأتي عَزْوُه قريبًا، وأنَّ إسنادَه جيِّدٌ، قاله شيخُنا العِرَاقيُّ_، وكأنَّه لم يحصل له روايتُه، فبوَّب عليه، وأخرج الذي على شرطه، والذي على شرطه قد أخرجه الأئمَّة السِّتَّة، والله أعلم.
          وقد روى ابن ماجه في «سننه» فقال: (حدَّثنا أبو بكر ابن أبي شيبة: حدَّثنا وكيع: حدَّثنا الأسود بن شيبان: حدَّثني بحرُ بن مَرَّار عن جدِّه أبي بكرةَ ☺ قال: مرَّ النَّبيُّ صلعم بقبرَينِ، فقال: «إنَّهُما ليُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحدُهما؛ فيُعَذَّب في البول، وأمَّا الآخرُ؛ فيُعَذَّب في الغِيبةِ»، وهذا فيه إرسالٌ؛ لأنَّ بحرًا لم يُدرِكْ أبا بكرةَ، وهو جدُّ أبيه؛ لأنَّه بحرُ بنُ مَرَّار بنِ عبد الرَّحْمَن بنِ أبي بكرةَ، وأيضًا بحرٌ قال فيه يحيى القَطَّانُ: (رأيتُه قد خُولِطَ، فلم أكتبْ عنه)، وقال النَّسائيُّ: (تغيَّر)، وقال مرَّةً: (ليس به بأسٌ)، وقال الكَوْسج عَنِ ابن معين: (ثقة)، وقال ابنُ عَدِيٍّ: (لم أرَ له فيما رأيتُ حديثًا منكرًا)، انتهى، وقد رأيتُه في «المسند»، وفيه بحرُ بن مرَّار المذكورُ، عن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرةَ: حدَّثنا أبو بكرةَ...، فذكره مُطَوَّلًا، وفي آخره: «وما يُعَذَّبانِ إلَّا في الغِيبة والبول»، ثُمَّ ذكره مِن طريق آخرَ عن بحرٍ عن عبد الرَّحْمَن به نحوه، وحديثُ جابر: (كنَّا مع رسول الله صلعم في مَسِيرٍ، فأتى على قبرَينِ يُعَذَّبُ صاحباهما، فقال: «أَمَا إنَّهما ليُعَذَّبانِ في كَبِير، أمَّا أحدُهما؛ فكان يغتابُ النَّاس»، رواه ابنُ أبي الدُّنيا في «الصَّمت» [خ¦176]، وأبو العَبَّاس الدَّغُوليُّ في كتاب «الآداب»، قال شيخنا الحافظ العِرَاقيُّ بعد عزوه إلى مَن ذكرت: (بإسنادٍ جيِّد، وهو في «الصحيحين» مِن حديث ابن عَبَّاس، إلَّا أنَّه ذكر فيه النميمة بدل الغِيبة، وللطيالسيِّ فيه: «أمَّا أحدهما؛ فكان يأكل لحوم الناس» [خ¦2768]، ولأحمدَ والطَّبَرانيِّ نحوُه بإسنادٍ جيِّدٍ)، قاله شيخنا العِرَاقيُّ، انتهى.


[1] في (أ): (يذكره)، والمثبت من مصدره.
[2] كذا في (أ)، وفي مصدره: (فهي أَحْرَمُ).