التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث جندب: هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

          6146- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): و(سُفْيَانُ) بعده: هو سفيان الثَّوريُّ، سفيان بن سعيد بن مسروق، و(جُنْدَُبٌ): بضَمِّ الدال وفتحها، وهو ابن عبد الله بن سفيان البَجَليُّ ثُمَّ العَلَقيُّ، صَحَابيٌّ جليلٌ مشهورٌ، وفي الصَّحَابة مِن اسمه جندب بالمشار إليه ثلاثةَ عشرَ؛ فلهذا ميَّزته.
          قوله: (هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ. وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ): تَقَدَّمَ الكلام على هذا وأشباهِه، والجمع بين ما وقع منه ◙ وبين قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ}[يس:69]، وأنَّ هذا الكلام وما أشبهه وقع منه ◙ لا بقصد الشِّعر، فلا يُسمَّى شِعرًا؛ لأنَّ للشِّعر ثلاثةَ شروطٍ حتَّى يكون شِعرًا؛ أحدها: أن يكون موزونًا، والثاني: مقفًّى، والثالث: مقصودًا، وهذا اختلَّ فيه شرط القصد [خ¦2802]، هذا إن قلنا: إنَّ الرَّجَز شِعرٌ، وفيه خلافٌ تَقَدَّمَ أعلاه وقبله [خ¦3042] [خ¦6145]، والصحيح: أنَّه شِعرٌ، وتَقَدَّمَ أعلاه أنَّ مقتضى كلام البُخاريِّ: أنَّ الرَّجَز ليس بشِعرٍ؛ لأنَّه عطفَه على (الشِّعر)، والعطفُ يقتضي التَّغايُرَ، والله أعلم.
          تنبيهٌ: قال ابن هشام في «السيرة»: (وحدَّثني مَن أثق به: أنَّ رسول الله صلعم قال وهو بالمدينة: «مَن لي بعيَّاش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصي؟»، فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة: أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكَّة، فقَدِمَها مستخفيًا...) إلى أن قال: (ثُمَّ حملهما على بعيره، وساق بهما، فعَثَر، فدَمِيَت إصبعه، فقال:
هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ)
          انتهى، وقد رأيتُ ابنَ سعد أنشده للوليد بن الوليد في ترجمته في «الطبقات»، فلعلَّ هذا للوليد، وتمثَّل به رسول الله صلعم، أو أنَّ رسول الله صلعم قاله ولم يقصد به الشِّعرَ، فسمعه الوليد، فتمثَّل به حين عَثَر، والله أعلم، ورأيت بخطِّ شيخِنا الشارحِ في «شرحه» هذا في (الجهاد): (أنَّ ابن التِّين قال: هذا الشِّعر لابن رواحة)، انتهى، وقال شيخنا هنا: (قد سلف أنَّه قول ابن رواحة، تمثَّل به صلعم)، انتهى، وقد قال السُّهَيليُّ في أوَّل (غزوة خيبر): (وقال أيضًا إمَّا متمثِّلًا وإمَّا مُنشِئًا:
هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ
وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ)
          انتهى.