التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: المعاريض مندوحة عن الكذب

          قوله: (بَابٌ: الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (ذكر الطَّبَريُّ بإسناده عَن عمرَ بنِ الخَطَّاب ☺ قال: «إنَّ في المعاريضِ لمندوحةً عَنِ الكذب»، وعَنِ ابن عَبَّاس ☻ قال: «ما أحبُّ أنَّ لي بمعاريضِ الكلامِ كذا وكذا»، وهي(1) مندوحةٌ؛ أي: متَّسَع، يُقال منه: انتدح فلانٌ بكذا ينتدح انتداحًا؛ أي: اتَّسع، وقال ابن الأنباريِّ: «يُقال: نَدَحْتُ الشيءَ؛ إذا وسَّعتَه»، قال الطَّبَريُّ: «انتدحَتِ الغنمُ في مرابضها؛ إذا تبدَّدت واتَّسعت مِنَ البِطنة، واندحَّ(2) بطنُ فلان واندحَى(3)؛ بمعنى: استرخى واتَّسع»، مطابقةُ الحديث الأوَّل _يعني: حديثَ أنس ☺: مات ابنٌ لأبي طلحة، فقال: كيف الغلام؟ قالت: هَدأ نَفَسُه، وأرجو أن يكون قد استراح، قال ابن المُنَيِّر:_ للترجمة بيِّنةٌ، وأمَّا ما بعده _يعني: مِنَ الأحاديث التي أخرجها؛ يعني: حديثَ أنس بطُرقه: «يا أنجشةُ؛ ويحكَ بالقوارير»، وحديثَه أيضًا: «وإن وجدناه لبحرًا»، قال ابن المُنَيِّر_: فليس مِنَ المعاريض التي يُفزَع إليها عَنِ الكذب، وإنَّما هو تشبيهٌ ومبالغةٌ، ولكنَّ وجهَ دخوله: أنَّ التشبيه إذا جاز(4) ذكرُه بصيغة الإخبار بلا آلة تشبيهٍ، ولم يعدَّ خلفًا، ولا دعت إليه حاجةٌ؛ فالمعاريضُ أَولى) انتهى.
          قوله: (بَابٌ: الْمَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الْكَذِبِ): (المعاريض): جمع (مِعْراض)؛ مِنَ التعريض؛ وهو خلاف التصريح مِنَ القول، يُقال: عرفت ذلك في مِعراضِ كلامه، ومَعْرِضِ كلامه، قال ابن قُرقُول في «مطالعه»: (قال الحربيُّ: هو الكلام يشبه بعضه بعضًا، يُورِّي بعضُه عن بعضٍ إذا لم يُدخَل به على أحد مكروهٌ؛ كاللفظ المُشترَكِ، والمحتمِلِ المعنيين فصاعدًا، أو الذي فيه تجوُّزٌ يُورَّى به عَنِ التصريحِ والبيانِ عندما يضطرُّ إليه؛ لدفع مكروهٍ عنه، أو حِنْثٍ يلزمه، أو لائمةٍ تتوجَّه إليه)، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ على (مندوحة) ما معناها في كلام ابن المُنَيِّر أعلاه، وهذا التبويب نفسُه هو حديثٌ في «صحيح مسلم»، ولفظه: «إنَّ في المعاريضِ لمندوحةً عَنِ الكذب».
          تنبيهٌ: وقع في «صحاح الجوهريِّ» ما لفظُه: (وفي المثل: «إنَّ في المعاريض لمندوحةً عَنِ الكذب»)، وقد علمتَ أنَّه حديثٌ في «صحيح مسلم».
          فائدةٌ: رأيتُ بدمشقَ مؤلَّفًا في المعاريض لابن دُرَيد اسمُه: «الملاحن»، وقد نظرتُ في أوائله.
          قوله: (وَقَالَ إِسْحَاقُ: سَمِعْتُ أَنَسًا: مَاتَ ابْنٌ لأَبِي طَلْحَةَ): أمَّا (إسحاقُ)؛ فهو ابن عبد الله بنِ أبي طلحة، وهو ابن أخي أنس بن مالك لأمِّه أمِّ سُلَيم، وهذا التعليقُ أخرجه البُخاريُّ في (الجنائز) عن بِشْر بن الحكم، عَنِ ابن عُيَيْنَة، عن إسحاق به [خ¦1301].
          قوله: (هَدَأَ نَفَسُهُ): (هدأَ): بهمزة مفتوحة في آخره، و(نَفَسُه): بفتح الفاء.
          قوله: (وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ) أي: في الظاهر، وإلَّا؛ فهي صادقةٌ في نفس الأمر، والله أعلم.


[1] كذا في (أ)، وفي مصدره: (ومعنى).
[2] في (أ): (وانتدح)، والمثبت من مصدرَيه، وانظر «تهذيب اللغة» ░3/271▒.
[3] في (أ): (واندح)، والمثبت من مصدرَيه، وانظر «تهذيب اللغة» ░4/245▒.
[4] في (أ): (كان)، والمثبت من مصدره.