التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل

          3473- قوله: (وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ): قائلُ ذلك هو مالكٌ، وقد روى مالكٌ الإمامُ هذا الحديثَ عن مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِر وأبي النَّضْر مولى عُمَرَ بن عُبيد الله؛ وهو سالم بن أبي أُمَيَّة، وهو بالضاد المُعْجَمَة؛ فاعلمه.
          فإن قيل: لِمَ لَمْ يعطفه على مُحَمَّد بن المنكدر بقوله: (وأبي النَّضْر مولى عمر بن عبيد الله)، بل أتى بحرف الجرِّ؛ وهو (عن)؟ والذي ظهر لي في الجواب: أنَّه لَمْ يسمعه منهما في مجلسٍ واحدٍ، بل في مجلسين؛ فلهذا عطف بقوله: (وعن)، والله أعلم.
          قوله: (الطَّاعُونُ رِجْسٌ): قال ابن قرقول: (وفي «أخبار بني إسرائيل» في الطاعون: «رجسٌ» بالسين ههنا، والمعروف: «رجز»؛ بالزاي، وقد تَقَدَّمَ أنَّ «الرجس» يقع على العقوبة أيضًا)، انتهى.
          قوله: (أُرْسِلَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، بضَمِّ الهمزة، وكسر السين، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا مِنْهُ): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّ (أبا النَّضْر) بالضاد المُعْجَمَة، وأنَّه سالم بن أبي(1) أُمَيَّة، وقوله: (إلَّا فرارًا منه): قال ابن قرقول: (قوله في حديث أبي النَّضْر: «لا يُخرِجُكُم إلَّا فرارٌ(2) منه»: بالرفع عند أكثر الرواة يحيى وغيرِه، وهو أبين؛ أي: لا يُخرجُكُم بسبب الفرار ومجرَّد قصده، لا لغير ذلك، فإنَّ الخروج في الأسفار والحوائج مباحٌ؛ كما قال: «فلا تخرجوا فرارًا منه»، وروي: «إلَّا الفرار منه»، وكذا قال ابن أبي مريم وأبو مصعب من رواة «المُوَطَّأ»، وهكذا رواه الجوهريُّ عن يحيى بن يحيى، ورواه ابن عَبْدِ البَرِّ في «المُوَطَّأ»: «إلَّا فِرَارًا مِنْه»، و«إلَّا فرارٌ منه»، قال: وكذلك كان في كتاب يحيى، قال: ولعلَّ ذلك كان من مالكٍ، وأهلُ العربيَّة يأبَون هذه الرواية؛ لأنَّ دخول «إلَّا» ههنا بعد النفي لإيجاب بعض ما نُفِيَ من الخروج، فكأنَّه نَهَى عن الخروج إلَّا للفرار خاصَّة، وهو ضدُّ المقصود، والمَنْهيُّ عنه إنَّمَا هو الخروج للفرار خاصَّةً لا لغيره، وجوَّز ذلك بعضهم وجعل قوله: «إلَّا [فِرَارًا]»: حالًا لا استثناءً؛ أي: لا تخرجوا إذا لَمْ يكن خروجكم إلَّا للفرار، فتطابقَ [الروايةُ والروايةُ الأخرى]: «فلا تَخرُجُوا فرارًا منه» و«لا يُخرِجُكُم الفرارُ منه»، ووقع للقنازعيِّ ووهب بن مسرَّة: «فلا يخرجكم الإفرارُ(3) منه»، وهذا وَهمٌ وتغييرٌ؛ لأنَّه لا يقال: «أفرَّ»، [إنَّما يقال في هذا: فرَّ] لا غير، قلت: يقال: أفرَّه كذا يُفِرُّه، ومنه قول النَّبيِّ صلعم: «إنْ كان [لا] يُفِرُّك من هذا الدين إلَّا كذا»، فيكون المعنى: [لا] يخرجكم إفرارُه إيَّاكم)، انتهى.
          وقال النَّوويُّ في «شرح مسلمٍ» عن القاضي عياض في رواية النصب: (إنَّها ضعيفةٌ عند أهل العربيَّة مفسدةٌ للمعنى)، ثُمَّ قال عنه ما لفظه: (وقال جماعةٌ: إنَّ لفظ «إلَّا» هنا غلطٌ من الراوي، والصواب حذفها كما هو المعروف في سائر الروايات، ثُمَّ قال القاضي: (وخرَّج بعض محقِّقي العربيَّة لرواية النصب وجهًا)؛ فذكر ما قاله ابن قرقول.
          غريبة _وسأذكرها في (الطاعون) [خ¦76/30-8528]_: نقل شيخنا عن كتاب أبي الفرج الأصبهانيِّ قال: (كانت العرب تقول: إذا دخل بلدًا وفيها وباءٌ؛ فإنَّه ينهق نهيق(4) الحمار، فإذا فعل ذلك؛ أَمِن من الوباء)، انتهى، وفي «الصحاح» للجوهريِّ في (عشر): (وتعشير الحمار: نهيقُه عشرةَ أصواتٍ في طَلَقٍ واحدٍ)، ثُمَّ أنشد بيتًا، ثُمَّ قال: (وذلك أنَّهم كانوا إذا خافوا من وباء بلدٍ؛ عشَّروا كتعشير الحمار قبل أن يدخلوه، وكانوا يزعمون أنَّ ذلك ينفعهم)، انتهى.


[1] (أبي): سقط من (ب).
[2] في (ب): (فرارًا).
[3] في (ب): (إلا فرارًا).
[4] في (ب): (نهق).