التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قصة يأجوج ومأجوج

          قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ}[الكهف:83]): وفي نسخة بعد (باب): (قصَّة يأجوج ومأجوج، وقولِ الله تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ}[الكهف:94]).
          اعلم أنَّ ذا القرنين سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه عاش مضيَّ قرنين، وقيل: كان له ضفيرتان، وقيل: إنَّه رأى في المنام أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فعُبِّر ببلوغه المَشْرِق والمَغْرِب، وقيل: كان في رأسه شبه قرنين صغيرين تواريهما العِمامة، أو لأنَّه شُجَّ قرنا رأسه _أي: طرفاه_ في سبيل الله، أو لأنَّه مَلَكَ فارس والروم، أو كان كريم الطَّرَفين أبًا وأمًّا، أو جمع علم الظاهر والباطن، أو كان يحارب بيده وركابه، وقيل: كان نبيًّا، وقيل: كان مَلِكًا صالحًا أحبَّ الله فأحبَّه، واسمه عبد الله بن الضَّحَّاك بن مَعَدٍّ(1)، وقيل: مرزبان بن مرذبة، من ولد يونان بن يافث(2)، وقيل: هو الإسكندرمس الروميُّ، وقيل: هو الإسكندر المعروف، انتهى كلام ابن عبد السلام العلَّامة عزِّ الدين، والظاهر أنَّه نبيٌّ عند البُخاريِّ؛ لأنَّه ذكره في (كتاب(3) الأنبياء).
          تنبيهٌ: روى الحاكمُ في «صحيحه» من حديث أبي هريرة ☺ يرفعه: «ما أدري ذا القرنين كان نبيًّا أم لا؟»، وقال: (إنَّه على شرط البُخاريِّ ومسلم)، قال(4): (ولا أعلم له علَّةً)، انتهى، ذكر ذلك شيخُنا، وقد رأيته في «تلخيص المستدرك» للذهبيِّ في (كتاب الإيمان)، قال الحاكم(5): (على شرطهما ولا أعلم له علَّةً)، انتهى.
          وقال السُّهَيليُّ ما ملخَّصه: (رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ(6): أنَّه كان عبدًا صالحًا دعا قومه إلى عبادة ربِّه، فضربوه على قرنَي رأسه ضربتين، وفيكم مثله؛ يعني: نفسَه، وقيل: كان له ضفيرتان من شعرٍ، والعرب تسمِّي الخُصلة من الشعر قرنًا، وقيل: إنَّه رأى في المنام في رؤيا طويلةٍ أنَّه آخِذٌ بقرنَي الشمس، فكان التأويل أنَّه بلغ المشرق والمغرب(7)، وأمَّا اسمه؛ فقال ابن هشام: مَرْزُبَا بن مَرْذَبَة؛ بذال مفتوحة في اسم أبيه، وزايٍ في اسمه، وقيل: فيه هُرْمس، وقيل: هِرْديس، وقال ابن هشام في مكانٍ آخرَ: اسمه الصعب بن ذي مراثد، وهو أوَّل التَّبابعة، وقيل: إنَّه أفريدون بن أثْفِيان، قال ابن هشام: من أهل مصر، وإنَّه الذي بنى الإسكندريَّة فعُرِفَت به، وهذا قولٌ بعيدٌ ممَّا تَقَدَّمَ، ويحتمل أن يكون(8) الإسكندر سُمِّي ذا القرنين أيضًا؛ تشبيهًا له بالأوَّل؛ لأنَّه مَلَكَ ما بين المشرق والمغرب(9))، وقيل في اسمه غيرُ ذلك، والله أعلم، وقيل في اسمه: قيصرة، ذكره مقاتل في «تفسيره»، وفي «غُرَر التبيان» للإمام الصالح قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة: أنَّ اسمه(10) الإسكندريس، نقله شيخُنا، وقال غير السُّهَيليِّ: هل كان عبدًا، أو مَلَكًا، أو مَلِكًا، أو نبيًّا؟ على أقوال، وذكر مأخذ كلِّ قول.
          قوله: (بَابُ قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ): كذا في نسخةٍ في هامش أصلنا، اعلم أنَّ يأجوج ومأجوج بالهمز الساكن وعدمه، وهما قراءتان في السبع، ويأجوجُ رجلٌ، ومأجوجُ كذلك، وهم إخوتنا لأبٍ وأمٍّ من آدم وحوَّاء عند جماهير العلماء، كما(11) نقله النَّوويُّ _ ☼ _ عنهم في «فتاويه»، قال: (وقيل: إنَّهم مِن بني آدم لا مِن حوَّاء، فيكونون إخوتَنا لأبٍ)، قال: (ولم يثبت في قدر أعمارهم شيءٌ)، قال: (وذكر المفسِّرون وأهلُ التواريخ في ذلك شيئًا، ولا يثبت) انتهى، فإن أردت أن تقف على الكلام فيهم وما يتعلق بهم(12)؛ فانظره في «التذكرة» للقرطبيِّ وغيرها، ولي فيهم شيئًا إلى ماذا نُسِبوا إن شاء الله تعالى في (تفسير سورة الحجِّ)(13)؛ فانظره [خ¦4741].
          قوله: (وَيُقَالُ: الصُّفْرُ): هو بضَمِّ الصاد وكسرها، تَقَدَّمَ في (الوضوء) [خ¦197].
          قوله: (فَلِذَلِكَ فُتِحَ اَسْطَاعَ يَسْطِيعُ): قال ابن قرقول: («استَطَاع يَستَطِيعُ: استَفْعَل مِن طُعْت له؛ فلذلك فُتِح استطاع يَستطيع، وقيل: أَسطَاع يُسطِيع»؛ معنى قوله هذا: أنَّه من الطاعة، قال سيبويه: «أَسطاع يُسطيع» إنَّما هو أطاع يُطيع، وزادوا السين؛ عوضًا عن حركة / الألف، وقال غيره: «استطاع»: قَدَرَ، والاستطاعة: القدرة على الشيء، وأصله من الطاعة)، انتهى، وقال شيخنا: («اسطاع: استفعل، مِن طُعت له؛ فلذلك فُتِح»؛ يريد: فُتِح الياءُ في مستقبله؛ لأنَّه(14) لو كان كما قال بعض أهل اللغة: «أَسطاع»؛ بفتح الهمزة؛ لكان مستقبله «يُسطيع»؛ بضَمِّ الياء(15))، انتهى، وينبغي أن يحرَّر هذا الكلام، وفي أصلنا: (مِنْ أَطَعْتُ لَهُ): الهمزة ملحقةٌ، والكلمة مضبوطةٌ على ثبوتها، وفي أصلنا: (اَسطاع)؛ بهمزة وصلٍ(16) وقطعٍ أيضًا، والقطع طارئٌ عليها.
          وقوله: (وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْتَطَاعَ)؛ بهمزة وصلٍ، و(يَسْتَطِيعُ)؛ بفتح الياء، وفي نسخة في هامش أصلنا: (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة، (يُسطيع)؛ بضمِّها، وعليها علامة راويها، فعلى رواية (أَسطاع)؛ بفتح الهمزة ومضمومها في المضارعة؛ فهو رُباعيٌّ، قال الجوهريُّ: (الاستطاعة: الإطاقة، وربَّما قالوا: «اِسْطاع يَسطيع» يحذفون التاء؛ استثقالًا لها مع الطاء)، ويكرهون إدغام التاء فيها فتُحرَّك السين، وهي لا تُحرَّك أبدًا، وقرأ حمزة: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ}[الكهف:97]؛ بالإدغام، فجَمَع بين الساكنين، وذكر الأخفش: (أنَّ بعض العرب يقول: «اِستاع يَستيع»، فيحذف الطاء؛ استثقالًا، وهو يريد «استطاع يستطيع»، قال: وبعضٌ(17) يقولون: «أَسْطَاعَ، يُسْطِيعُ»؛ بقطع الألف، وهو يريد أن يقول: «أَطاع يُطيع»، ويجعل السينَ عوضًا من ذهاب حركة [عين] الفعل)، انتهى.
          وحاصل ما في هذه اللفظة: (اِسْتطاع)، الثانية: (اِسْطاع)؛ بهمزة وصلٍ، وهي فرعُ الأولى، فحذفوا التاء؛ لأنَّها قريبةٌ من الطاء، واستثقلوا اجتماعهما، فحذفوا التاء؛ تخفيفًا، الثالثة: (اِسْتاع)؛ بهمزة الوصل أيضًا، والمضارع من هذه اللُّغات الثلاث بفتح حرف المضارعة، الرابعة: (أَسطاع)؛ بهمزة القطع، الخامسة: (أَستاع)؛ بهمزة القطع أيضًا، والتاء فيهما بدل من الطاء كما في اللُّغة الثالثة، والمضارع في هاتين اللُّغتين مضمومٌ، واختلفوا في السين من هاتين اللُّغتين، والكلام فيها معروفٌ، والله أعلم.
          قوله: ({جَعَلَهُ دَكَّاء}[الكهف:98]): هذه بالمدِّ، وهي قراءة الكوفيِّين، وهذا التفسير الذي ذكره البُخاريُّ لهذه القراءة، لا لقراءة الباقين؛ فاعلمه.
          قوله: (وَقَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلعم: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ): هذا الرجل لا أعرف اسمَه(18)، و(المُحبَّر)؛ بفتح المُوَحَّدة المُشَدَّدة: المُخطَّط، وجاء في رواية: (طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: «قد رأيتَه») يريدُ حُمرةَ النُّحاس وسوادَ الحديد، وتعليقُه هذا: قال شيخُنا: (أسنده ابن مردويه في «تفسيره» عن سليمان بن أحمد: حدَّثنا أحمد بن مُحَمَّد بن يحيى: حدَّثنا أبو الجماهر: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن رجلين، عن أبي بَكْرة الثقفيِّ: أنَّ رجلًا أتى رسول الله صلعم فقال: يا رسول الله؛ إنِّي قد رأيتُه _يعني: السَّدَّ_ فقال: «كيف هو؟» قال: كالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قال: «قد رأيتَه»، قال: وحدَّثنا قتادةُ أنَّه قال: طريقةٌ حمراءُ من نحاسٍ، وطريقةٌ سوداءُ من حديدٍ، وقال نُعَيم ابن حَمَّاد في كتاب «الفتن»: حدَّثنا [ابنُ وَهْبٍ عن] مسلمة بن عليٍّ: حدَّثنا سعيد بن بشير، عن قتادة: قال رَجُلٌ: يا رسول الله؛ قد رأيت الردمَ وإنَّ الناس يكذِّبونني، فقال: «كيف رأيتَه؟»، قال: رأيتُه كالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قال: «صدقت، والذي نفسي بيده؛ لقد رأيتُه ليلةَ الإسراء لَبِنة من ذهبٍ ولَبِنة من رصاصٍ»)، انتهى.
          قوله: (رَأَيْتَهُ): هو بفتح تاء الخطاب(19)، وهذا ظاهِرٌ.


[1] في (ب) وهامش (أ): (سعد).
[2] في (أ): (فث).
[3] في (ب): (باب).
[4] (قال): ليس في (ب).
[5] في (ب): (الكلام).
[6] زيد في (ب): (☺).
[7] في (ب): (المغرب والمشرق).
[8] (يكون): ليس في(ب).
[9] (والمغرب): سقط من(ب).
[10] في (أ): (اسم).
[11] زيد في (ب): (قاله).
[12] (وما يتعلق بهم): سقط من(ب).
[13] بعدها في (أ): (منهم).
[14] في (ب): (فإنَّه).
[15] في (أ) تبعًا لمصدره: (الفاء)، والمثبت من (ب) وهامش (أ).
[16] زيد في (ب): (مفتوحة).
[17] زيد في (ب): (العرب).
[18] في (ب): (لا أعرفه ولا اسمه).
[19] في (ب): (التاء التي للخطاب).