التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}

          (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}[النساء:125])... إلى (بَاب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى}[مريم:51]).
          ({إِبْرَاهِيمَ}) صلعم(1): اسمٌ أعجميٌّ، وفيه لغاتٌ؛ أشهرها: إبراهيم، والثانية: إبراهام، وقُرِئ بهما في السبع، والثالثة والرابعة والخامسة: إبراهُـَـِم؛ بكسر الهاء وفتحها وضمِّها، حكاهُنَّ ابن مكِّيٍّ في «تثقيف اللسان» عن الفرَّاء عن العرب، وحكى الكسرَ والضَّمَّ جماعاتٌ؛ منهم أبو البقاء العُكْبريُّ قال: (وقُرِئ بهما في الشواذِّ)، قال: (وجمعه «أباره» عند قومٍ، وعند آخرين: «براهم»، وقيل: «براهمة»)، قال الماورديُّ: (معناه بالسريانيَّة: أبٌ راحمٌ).
          ابن آزر؛ وهو تارَح، وسيأتي بقيَّةُ نسبه في ذكر نسبه(2) الشريف [خ¦63/28-5753]، أثنى الله على إبراهيم في آياتٍ مِن كتابه، أنزل الله عليه صُحُفًا، كما قال الله ذلك في كتابه، قال أهل التواريخ: كانت عشرَ صحائفَ، هاجرَ صلعم مِنَ العراق إلى الشام، قيل: بلغ عمره مئةً وخمسًا وسبعين سنةً، وقيل: مئتَي سنةٍ، وقيل: مئةً وسبعين سنةً، ودُفِنَ بالأرض المقدَّسة، وجاء في فضله أحاديثُ.
          وفي «المُوَطَّأ» عن ابن المُسَيِّـَب قال: (كان إبراهيمُ أوَّلَ الناسِ ضيَّف الضيفَ، وأوَّلَ الناسِ اختتن، وأوَّلَ الناسِ قصَّ شاربه، وأوَّلَ الناسِ رأى الشيبَ)، وفي «تاريخ ابن عساكر لدمشقَ» هذا بزيادة: (وأوَّل من استحدَّ وقلَّم أظفاره)، وفيه عن ابن عَبَّاس: أنَّه وُلِدَ بغوطة دمشقَ ببرزة، قال ابنُ عساكر: (كذا في هذه الرواية، والصحيح: أنَّه ولد بكُوثى من إقليم بابل بالعراق، وإنما نُسِبَ إليه هذا المقام؛ لأنَّه صلَّى فيه إذ جاء مُعِينًا(3) لِلُوط)، وفي «التاريخ» المذكور: أنَّ آزرَ كان من أهل حرَّان، وأنَّ أمَّ إبراهيم اسمها نُونا، وقيل: ليونا(4)، صلعم، مناقبُه وفضائلُه كثيرةٌ، وقد روينا عَنِ النَّبيِّ صلعم عنه حديثًا؛ وهو: «أقرِئ أمَّتك منِّي السلام، وأخْبِرْهُم أنَّ الجنَّةَ طيِّبةُ التُّربة...»؛ الحديث.
          واعلم أنَّ الإمامَ البُخاريَّ ذكر في هذا البابِ أحاديثَ تتعلَّق بإبراهيمَ إلَّا الحديث الأخير، وهو: (لمَّا نزلت: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}[الأنعام:82])، وقد اعترض الإسماعيليُّ _كما نقله شيخنا_ فقال: (لا أعلمُ في هذا الحديث شيئًا مِن قصَّة إبراهيم؛ إذ هو في الباب المترجَم بإبراهيم)، قال شيخُنا: (ولك أن تقول: بل له وجهٌ بيِّنٌ؛ وذلك أنَّ هذه الآيةَ المذكورة في «سورة الأنعام» كلُّها فيه، وكذا ما بعدها لمَّا حاجَّه قومُه فقال: {أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ}... إلى أن قال: {وَهُم مُّهْتَدُونَ. وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}[الأنعام:82-83]، ولهذا إنَّ عليًّا روى عنه الحاكمُ أنَّه قرأ هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} قال: «هذه في إبراهيمَ وأصحابِه، ليس في هذه الأمَّة»، ثُمَّ قال: صحيح الإسناد، وقال الثعلبيُّ في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} قال: هي {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ})، انتهى.
          قوله: (قال أبو مَيْسَرَةَ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (عَمرو بن شُرَحْبِيل، سمع ابنَ مسعود، روى عنه أبو وائلٍ شقيقُ بن سَلَمة)، انتهى، و(أبو مَيْسَرَةَ(5)) اسمُه كما قاله الدِّمْيَاطيُّ، وهو همْدانيٌّ كوفيٌّ، عن عُمَرَ، وعليٍّ، وابنِ مسعود، وقيسِ بنِ سعدٍ، وعائشةَ، وجماعةٍ، وعنه: أبو وائل، والشعبيُّ، والقاسمُ ابن مُخَيْمِرة، وأبو إسحاقَ، وطلحةُ بنُ مُصَرِّف، وآخرون، وكان من فضلاء التابعين، تُوُفِّيَ قبل أبي جُحَيفة السُّوائيِّ، وأوصى أن يُصلِّيَ عليه شريحٌ القاضي، قيل(6): تُوُفِّيَ أبو جُحَيفة سنة ░74هـ▒، أخرج لأبي ميسرةَ البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والتِّرْمِذيُّ، والنَّسائيُّ.
          قوله: (الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ): يعني: أنَّ (الأوَّاهَ) الرَّحيمُ بلسان الحبشة، لا أنَّ (الرحيم) بلسان الحبشة؛ فاعلمه، فإنَّه ربَّما اشتبه على بعض الناس، وقد نقل أيضًا البُخاريُّ في (سورة هود) هذا، ولفظه: (وقال أبو مَيْسَرَةَ: الأوَّاهُ: الرَّحيم بالحبشيَّة)، انتهى [خ¦65-6791]، فوافقت الحبشيَّةُ العربيَّةَ. /


[1] في (ب): (╕).
[2] (في ذكر نسبه): سقط من (ب).
[3] في (ب): (مغيثًا).
[4] في (ب): (لبونا)، وفي «تاريخ دمشق» ░6/171▒: (أبوينا)، وفي «تهذيب الأسماء واللغات» ░1/274▒: (أينونا)، وفي «الروض الأنُف» ░1/12▒: (ليوثا).
[5] في (ب): (سلمة)، والمثبت هو الصَّواب.
[6] (قيل): سقط من (ب).