التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب: {وإن إلياس لمن المرسلين*إذ قال لقومه ألا تتقون}

          قوله: (بَابُ {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ}[الصافات:123]): {إِلْيَاسَ}: قرأه(1) الجمهور بتحقيق الهمزة المكسورة، وعن ابن ذكوان وصلُها، وهو إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون، وقيل: هو إدريس، وقد نقل ذلك البُخاريُّ هنا عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، ولو ترجَّح عند البُخاريِّ أنَّه ابن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون؛ لم يذكره هنا قبل إبراهيم وغيره(2)، ولكنَّه لمَّا احتمل عنده أن يكون إدريس، واحتمل أن يكون آخرَ في حدود وقته؛ ذكره قُبَيل إدريس، وعقَّبه بما ذكره عن ابن مسعود وابن عَبَّاس، والذي يظهر من حال البُخاريِّ اختيارُ أنَّه إدريس، والله أعلم، وقال شيخُنا عَنِ ابن التين عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ(3): (إنَّ إدريس هو اليسع)، انتهى.
          أُرسِل إلياسُ إلى بَعْلَبَكَّ؛ مدينة، و(بكٌّ): اسمُ صنمٍ، و(البعل): الرَّبُّ.
          تنبيهٌ: ذكر شيخُنا عن الحاكم حديثًا صحَّح إسنادَه الحاكمُ عن أنس: أنَّ إلياسَ اجتمع مع النَّبيِّ صلعم في بعض السَّفرات، قال شيخُنا: (وخالفه ابن الجوزيِّ في تصحيحه)، انتهى، بل ذكره في «موضوعاته»، ثمَّ قال في آخره: (هذا حديثٌ موضوعٌ لا أصلَ له، ويزيد المَوْصِليُّ وأبو إسحاقَ الجُرشيُّ لا يُعرَفان، وقد روى أبو بكر النَّقَّاش: أنَّ مُحَمَّدَ بن إسماعيل البُخاريَّ سُئِل عن الخَضِر وإلياس؛ هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا وقد قال النَّبيُّ صلعم: «لا يبقى على رأس مئة سنة ممَّن هو على ظهر الأرض أحد»؟!) انتهى.
          ويزيدُ المَوْصِليُّ: هو يزيد بن يزيد المَوْصِليُّ التيميُّ مولاهم، كذا في سند الحديث المذكور، وأبو إسحاق الجُرشيُّ رواه عن الأوزاعيِّ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ يزيدَ بنَ يزيدَ في «ميزانه» فقال: (يزيد بن يزيد البلويُّ المَوْصِليُّ، عن أبي إسحاق الفزاريِّ بحديثٍ باطلٍ، خرَّجه الحاكم في «مستدركه» فقال: حدَّثنا أحمد بن سعيد المَعْدَانيُّ ببُخارى: حدَّثنا عبد الله بن محمود: حدَّثنا عبدان ابن سيَّار: حدَّثنا أحمد بن عبد الله البرقيُّ: حدَّثنا يزيد بن يزيد البَلَويُّ: حدَّثنا أبو إسحاق الفزاريُّ عن الأوزاعيِّ، عن مكحول، عن أنس...)؛ فذكره، قال الإمام الذَّهَبيُّ عَقِيبه: (فما استحيا(4) الحاكمُ مِنَ الله يصحِّح مثلَ هذا؟!) انتهى.
          وقد رأيتُ هذا الحديثَ في «المستدرك» في (دلائل النبوة)، قال الذَّهَبيُّ عقيبه في «تلخيصه»: (وقول الحاكم: «صحيح الإسناد»، بل موضوعٌ، قبَّح الله مَن وضعه، وما كنت أحسب ولا أجوِّز أنَّ الجهل يبلغ بالحاكم إلى أن يصحِّح هذا)، ثمَّ ساق الذَّهَبيُّ سنده إلى يزيد البلويِّ، ثمَّ(5) قال: (فإمَّا هذا افتراه، وإمَّا ابن سيَّار)، انتهى.
          وقد ذُكِرَ الخضرُ وإلياسُ أنَّهما رويا عن النَّبيِّ صلعم حديث: «مَن كذب عليَّ...»، رواه ابن الصلاح في بعض تخاريجه، قال الذَّهَبيُّ: (وهو حديثٌ باطلٌ)، وقد ذكر هذا الحديثَ المشارَ إليه في «ميزانه» في ترجمة مُحَمَّد بن عبد الله بن الخَيَّام، ثمَّ قال: (قال ابن الصلاح: هذا وقع لنا في نسخة من حديث الخَضِر وإلياس)، قال الذَّهَبيُّ: (ولا أدري مَن وضعها)، انتهى.
          قوله: (يُذْكَرُ بِخَيْرٍ): (يُذكَر)(6): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وكذا (يُذْكَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ): مَبْنيٌّ أيضًا لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.


[1] في (ب): (قراءة).
[2] في (ب): (ولا غيره).
[3] زيد في (ب): (☺).
[4] في (ب): (استحى).
[5] (ثم): ليس في (ب).
[6] (بخير يذكر): سقط من (ب).