التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}

          (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}[مريم:16])... إلى (بَاب مَا ذَكَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ)
          [ترجمة مريم ♀](1)
          هي مريم بنت عِمران الصِّدِّيقة، أمُّ عيسى ابن مريم صلعم(2)، ذكر ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: أنَّها كانت بالرَّبْوَة، قال: ويقال: قبرها بالنَّيْرَب، وذكر نسبها، وأنَّها من أولاد سليمان بن داود، بينها وبينه أربعةٌ وعشرون أبًا، ثمَّ ذكر أقوال المفسِّرين في قوله ╡: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ}[المؤمنون:50]، قالوا: أرض دمشق، وقد رأيتُ في أعلى الجنك بالرَّبوة مكانًا كالمغار، قالوا: كانت مريم بهذا.
          واسم أمِّ مريم: حَنَّة؛ بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد النون، وعن مجاهدٍ قال: لمَّا قيل: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ}[آل عمران:43]؛ كانت تقوم حتَّى تَوَرَّم قدماها، [وفي رواية: (تصلِّي حتَّى تَوَرَّم قدماها)](3)، قال ابن عساكر: (وبلغني أنَّ مريم بقيت بعد رفع عيسى خمسَ سنين، وكان عمرها ثلاثًا وخمسين سنةً)، وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلعم: «أَعَلِمْتَ أنَّ الله زوَّجني في الجنَّة مريمَ(4) بنت عمران، وكلثم أختَ موسى، وآسية امرأةَ فرعون»، فقلت: هناءً لك يا رسول الله، وفي «الصحيح»: «ما من مولود يولد إلَّا ويمسُّه(5) الشيطان إلَّا عيسى وأمَّه» [خ¦3431]، وفي الحديث الصحيح: «كمل من النساء أربعٌ: مريم بنت عِمران...»؛ الحديث [خ¦3411]، وفي «الصحيح»: «خير نسائها مريمُ» [خ¦3815].
          تنبيهٌ: قال القرطبيُّ: (رُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: «إنَّ في النساء أربعَ نبيَّاتٍ: حواءَ، وآسيةَ، وأمَّ موسى، ومريم»)، ثمَّ قال: (والصحيح أنَّ مريمَ كانت نبيَّة)، انتهى، وقال القاضي عياض في «شرح مسلم»: (والجمهور على أنَّهما _يعني: آسية ومريم_ ليستا بنبيَّتين، بل هما صِدِّيقتان...) إلى آخر كلامه، وقال السُّهَيليُّ في أواخر «روضه»: (إنَّ مريمَ نبيَّةٌ عند كثير من العلماء)، ثمَّ حكى القولَ بأنَّها ليست بنبيَّة، ولم يرجِّح واحدًا منهما، وقال النَّوويُّ في «أذكاره» ما لفظه: (وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أنَّ مريمَ ليست بنبيَّة، ذكره في «الإرشاد»)؛ يعني: الإمامَ، وقال في «شرح مسلم»: (وقد نقل جماعةٌ الإجماعَ على عدمها)؛ أي: عدم نبوَّتها.
          تنبيهٌ ثانٍ: ذكر شيخنا عن ابن التِّين وغيره: (اختُلِف في نبوَّة الخَضِر، ولقمان، وعُزَير، ومريم، وأمِّ موسى)، انتهى، وقد نقل شيخنا أيضًا عن ابن وهب وجماعة: أنَّ مريمَ نبيَّةٌ، ونقل عن الحسن: أنَّه ليس من الجنِّ نبيٌّ، ولا من النساء، انتهى، ومسألة الجنِّ هل منهم نبيٌّ تَقَدَّمَت [خ¦59/12-5087]، ورأيت أنا في كلام العلَّامة تقيِّ الدين عليِّ بن(6) عبد الكافي السُّبكيِّ في «المسائل الحلبيَّة» حكايةَ اختلافٍ في نبوَّة سارة، ولفظه: (وقد اختُلِف في نبوَّة نسوةٍ غير مريم؛ كأمِّ موسى، وآسية، وحواء، وسارة، ولم يصحَّ عندنا في ذلك شيءٌ)، انتهى.
          وعيسى ابن مريم صلعم هو عبد الله ورسولُه وكلمتُه وروحٌ منه، ذكره الله تعالى في آياتٍ من كتابه وأثنى عليه، وثبت في فضله أحاديثُ، وفي «صحيح مسلم»: أنَّه ينزل على المنارة البيضاء شرقيَّ دمشقَ، قال الثعلبيُّ في «عرائسه»: (اختلف العلماء في مدَّة حمله؛ فقيل: تسعة أشهر، وقيل: ثمانية، وقيل: سنة، وقيل: ساعة، وقيل: ثلاث ساعات، ووضعتْهُ عند الزوال وهي بنت عشرين سنةً، وكانت حاضت قبله حيضتين، وقيل: بنت خمسَ عشرةَ سنةً، وقيل: ثلاثَ عشرةَ، وإنَّه كلَّم الناس وهو ابن أربعين يومًا، ثمَّ لم يتكلَّم بعدها حتَّى بلغ زمن كلام الصبيان، وكان زاهدًا، لم يتَّخذ بيتًا ولا مَتاعًا، وكان قوتُه يومًا بيوم، وكان سيَّاحًا في الأرض، وكان يمشي على الماء، ويُبرِئ الأكمهَ والأبرص، ويُحيِي الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يأكلون ويدَّخرون في بيوتهم، وكان له الحواريُّون الذين ذكرهم الله في كتابه _وهم الأنصار_ وكانوا اثني عشر رجلًا، وكانوا أصفياءه وأنصاره ووزراءه، قيل: كانوا أولاد صيَّادِين، وقيل: قصَّارِين، وقيل: ملَّاحِين...) إلى أن قال: (ومنها _أي: ومن معجزاته_: نزول المائدة عليه من السماء بنصِّ القرآن، ومنها: رفعه إلى السماء)، انتهى.
          وجاء أنَّه يتزوَّج بعد نزوله من السماء، ويُولَد له، ويُدفَن عند النَّبيِّ صلعم، ويقال: ببيت المقدس، والله أعلم، وفي «التِّرْمِذيِّ» في (مناقب النَّبيِّ صلعم) من حديث عبد الله بن سلَام قال: (مكتوبٌ في التوراة صفة مُحَمَّد وعيسى ابن مريم يُدفَن معه)، قال أبو مودود المذكور في السند: (قد بقي في البيت موضعُ قبرٍ)، قال التِّرْمِذيُّ: (حسنٌ غريبٌ)، انتهى.
          قوله: (وَآلِ يَاسِينَ وَآلِ مُحَمَّدٍ): صريحُ هذا: أنَّ آلَ ياسين غيرُ آلِ مُحَمَّد، وقد قال ابن عزيز في «غريبه»: (من قرأ: {سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ}[الصافات:130]؛ أي: على آل مُحَمَّد، ومَن قال: {إِلْ يَاسِينَ}؛ قيل: هو إلياس(7) وأهل دِينه، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهم اسمُه إلياس، وقال بعض العلماء: يجوز أن يكون «إلياس» و«إلياسين» بمعنًى واحدٍ؛ مثل: «ميكال» و«ميكائيل»)، والله أعلم.


[1] ما بين معقوفين جاء في هامش (أ).
[2] في (ب): (♂).
[3] ما بين معقوفين سقط من (ب)، وانظر «تاريخ مدينة دمشق» ░70/100▒.
[4] في (ب): (بمريم).
[5] في (ب): (ونخسه).
[6] زيد في (ب): (العلامة).
[7] (قيل: هو إلياس): سقط من (ب).