التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء

          ░25▒ باب قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (لا تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ)
          7361- وقَالَ أبُو اليَمَانِ: أخبرنا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحمَنِ أنَّه سَمِعَ مُعَاوِيَة ☺ يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالمَدِيْنَة، وَذَكَرَ كَعْبَ الأحْبَارِ فَقَالَ: إِنْ كَاَنَ مِنْ أَصْدَقِ هؤلاء المُحَدِّثِيْنَ الَّذِيْنَ يُحَدِّثُونَ عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ.
          وَهَذَا كَأنَّه أخذه البُخَارِيُّ عنه عَرْضًا ومُذَاكَرةً.
          7362- ثُمَّ ساق مِن حَديث أَبِي هُرَيْرَة ☺: (قَالَ: كَاَنَ أَهلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُوْنَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأَهْلِ الإسْلامِ، فَقَالَ ◙: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ ولاَ تُكَذِّبُوهُم وَقُولُوا: {آمَنَّا باللهِ ومَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ، الآية).
          7363- وَحَدِيْث إبراهيمَ _هُوَ ابن سعْدِ بن إبراهيمَ بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ أبُو إسحاقَ، مات سنة ثلاثٍ وثمانين ومائةٍ، ومولده سنة ثمانٍ أَوْ عشرٍ ومائةٍ_ أَخبرنَا ابن شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بن عَبْد اللهِ، أنَّ ابن عبَّاسٍ ☻ قَالَ: (كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُوْل اللهِ صلعم أَحْدَثُ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَغَيَّرُوهُ وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الكِتَابَ وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيْلًا، أَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ العِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ لاَ والله مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ).
          الشَّرْح: قَوْلُهُ فِي كعب: (وَإِنْ كُنَّا لَنَبْلُو عَلَيْهِ الكَذِبَ) أَيْ: لنختبِرُ ما يحدِّثنا به، مِن هَذَا نحوًا مِن قول ابن عبَّاسٍ، قد بدَّل مِن قِبَله ولم يدرِ كَعْبٌ فوقَعَ فِي الكذب. ولعلَّ المحدِّثين كانوا كذلك إلَّا أنَّ كعبًا أشدُّ بصيرةً يعرف كثيرًا ممَّا يتوقَّى. وإنَّما قالَ: (لا تُصَدِّقُوهم ولا تكذِّبُوهم) إذ قد يكون باطلًا فتُصَدِّقُوا الباطل أَوْ حقًّا فَترُدُّوا الحقَّ.
          وقول ابن عبَّاسٍ: (كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الكِتَابِ) يريد لإخباره إنَّهم بدَّلوا كتابه عَلَى أغراضهم وكذلك كتموا آية الرَّجم، ولأنَّه كَاَنَ فِي الصُّحف ولم يكن فِي صُدورهم كالكتاب الَّذِي أنزلَ الله عَلَى نبيِّنا.
          وَقَوْلُهُ: (مَا رَأَيْنَا رَجُلًا...) إِلَى آخره، يريد لئلَّا تخبروهم بما أنزل الله فيه مِن التبديل لكتابهم.
          فَصْلٌ: قَالَ المهلَّب: قَوْلُهُ: (لاَ تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ) إِنَّمَا هُوَ فِي الشرائع لا تسألوهم عن شَرْعهم ممَّا لا نصَّ فِيْهِ مِن شرعنا لنعملَ به لأنَّ شرعنا مُكتفٍ بنفسه، وما لا نصَّ عليه عندنا ففي النَّظر والاستدلال ما يقوم الشَّرع به، وإنَّما سؤالهم عن الأخبار المصدِّقَةِ لشرعنا وما جاء به نبيُّنا مِن الأخبار عن الأمم السالفة فلم ينهَ عنه.
          فإن قلت: فقد أَمَر الله نبيَّهُ بسؤال أهل الكتاب، فقال تَعَالَى: {فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس:94] قيل: ليس هَذَا بمقيِّدٍ لِمَا تقدَّم مِن النَّهي عن سؤالهم لأنَّه لَمْ يكن شاكًّا ولا مُرتابًا، وقال أهل التأويل: الخطاب له والمرادُ به غيره مِن الشُّكَّاك كقوله تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:1] تقديره: إن كنتَ أيُّها السامع فِي شكٍّ ممَّا أَنزلنا عَلَى نبيِّنا، كقولهم: إن كنتَ ابني فبرَّني وَهْوَ يعلم أنَّه ابنَهُ.
          فإن قلت: وإذا كَاَنَ المراد بالخطاب غيره، فكيف يجوز سؤال الَّذِيْنَ يقرؤون الكتاب مَعَ جحد أكثرهم للنُّبوَّةِ؟ ففيه جوابان: أحدهما: سَلْ مَن آمنَ مِن أهل الكتاب كابن سَلَامٍ وكَعْبِ الأحبارِ، عن ابن عبَّاسٍ والضَّحَّاك ومُجَاهِدٍ وابن زيْدٍ. ثانيهما: سَلْهم عن صِفة النَّبِيِّ المبشَّر به فِي كتبهم، ثُمَّ انظر ما يُوافق تلك الصِّفة.