التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إثم من آوى محدثًا

          ░6▒ باب إِثْمِ مَنْ آوى مُحْدِثًا.
          رَوَاهُ عَلِيٌّ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          7306- ثمَّ ساق فيه حَديث عاصمٍ: قلتُ لأَنَسٍ ☺: (أَحَرَّمَ رَسُولُ اللهِ صلعم المَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ...) الحديث.
          ساقه عن مُوسَى بْنَ إِسْمَاعِيلَ، حدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ، حدَّثنا عَاصِمٌ به.
          قَالَ عَاصِمٌ: فَأَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ: أَوْ آوى مُحْدِثًا.
          ذكر الدَّارَقُطنِيُّ في «عِلله»: أنَّ عبدَ الواحد رواه فقال في آخره: قال مُوسَى بن أنسٍ: أو آوى مُحْدِثًا، وَوَهَم في قوله مُوسَى بن أنسٍ، والصَّحيح ما رواه شَرِيكٌ وعَمْرو بن أبي قيسٍ، عن عاصمٍ الأحول، عن أنسٍ، وفي آخره: فقال النَّضرُ بن أنسٍ: أو أوى مُحْدِثًا، وقال في «استدراكاته»: هذا وَهَمٌ مِن البُخَارِيِّ أو شيخه يعني موسى بن إسماعيلَ؛ لأنَّ مُسلمًا خرَّجه عن حامِدِ بن عُمَر، عن عبد الواحد فقال فيه: فقال النَّضْر؛ وهو الصَّواب.
          فَصْلٌ: فيه فضْلٌ عظيمٌ للمدينة شرَّفها الله تعالى، وذلك تغليظُ الوعيد بلعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين لمن أحدثَ فيها حَدَثًا أو أوى مُحْدِثًا، وفي حَديث عليٍّ السَّالف: ((لا يُقْبَل منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ))، ودلَّ الحديث على أنَّ مَن آوى أهل المعاصي والبِدَع أنَّه شَرِيكٌ في الإثم، وليس الحديث دالًّا على أنَّ مَن فعلَ ذلك في غيرها أنَّه غير متوعَّدٍ ولا مَلُومٍ على ذلك؛ لتقدُّم العِلْم بأنَّ مَن رَضِي فِعلَ قومٍ وعَمَلهم أنَّه منهم وإن كان بعيدًا عنهم، فهذا الحديث نصٌّ في تحذير فعْلِ شيءٍ مِن المنكر في المدينة، وهو دليلٌ في التحذير مِن إحداثِ مِثل ذلك في غيرها، وخُصَّت بالذِّكْر لأنَّ اللَّعنة له أشدُّ والوعيد آكدُ لانتهاكه ما حُذِّر عنه وإقدامِه على مُخَالفةِ رسول الله صلعم فيما كان يلزمه مِن تعظيم شأن المدينة المشرَّفَة بأنَّها مَنْزل وحْيهِ ومَوْطِنُ نبيَّهِ، ومنها انتشرَ الدِّين في الأقطار فكان لها بذلك فضْلُ مزيَّةٍ على سائر البلاد.
          وقد أسلفنا اختلاف العلماء فيما يُقطع مِن شجرها وما يُصاد مِن صيدها آخرَ الحجِّ فسارع إليه [خ¦1867]، والحديث دالٌّ على حُرمة اصطيادها، وفي الضَّمان خلاف العلماء، والجديدُ عندنا: لا ضَمَانَ. وهو ما في «المدوَّنة»، والقديم: نعم، وهو قول ابن أبي ليلى ونافعٍ وابن أبي زيدٍ، وقال أشهبُ: عند محمَّدٍ عن مالكٍ في مَنْعِ أكلِه ليس كالذي يُصطاد بمكَّةَ، وإنِّي لأكرهُهُ، وقيل: لا يُؤكل.