التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: لتتبعن سنن من كانَ قبلكم

          ░14▒ باب قَوْلُ النَّبِيِّ صلعم: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم) /
          7319- ذكر فيه حَديث أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قال: (لا تَقُوْمُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ القُرُونِ قَبْلَهَا، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَفَارِسَ وَالرُّومِ؟ فَقَالَ: (وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ؟!).
          وسلف في ذكر بني إسرائيلَ [خ¦3456].
          7320- وحديث أبي عُمَرَ الصَّنْعَانِيِّ مِنَ اليَمَنِ _قيل: إنَّه مِن صَنْعاء الشام، واسمه: حَفْصُ بن مَيْسَرةَ، سكن عَسْقلانَ، ومات سنة إحدى وثمانين ومائةٍ_ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُم شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ) قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُوُد وَالنَّصَارى؟ قَالَ: (فَمَنْ!).
          الشرح: (السَّنَنُ) _بفتح السِّين والنُّون_: الطَّريقة، يُقال: استقامَ فُلانٌ على سَنَنٍ واحدٍ، ويصحُّ ضمُّها _قال ابن التِّين: وبه قرأناه_ جمع سُنَّةٍ: وهي العِبَادة، وقال المهلَّب: فتح السِّين أَوْلى مِن ضمِّها؛ لأنَّها لا يُستعمل الشِّبرُ والذراعُ إلَّا في السَّنن وهو الطَّريق، فأخبرَ ◙ أنَّ أمَّته قبل قيام الساعة يتَّبِعون المحدَثات مِن الأمور و البِدَع والأهواء المضلِّة كما اتَّبعها الأمم مِن فارسٍ والرُّوم حتَّى يتغيَّر الدِّين عند كثيرٍ مِن النَّاس، وقد أنذرَ في كثيرٍ مِن حديثه أنَّ الساعة لا تقوم إلَّا على شِرَار الخَلْق، وأنَّ الدِّين إنَّما يبقى قائمًا عند خاصَّةٍ مِن المسلمين لا يخافون مِن العَدَاوات، ويحتسِبُون أنفسهم على الله في القول بالحقِّ والقيام بالمنهج القويم في دِينِ الله.
          فَصْلٌ: قوله: (بِأَخْذِ القُرُونِ) كذا في الأُصُول وللنَّسَفِيِّ وابن السَّكَن، وفي رواية الأصيليِّ: <بِمَا أَخَذَ> قال ثعلبٌ: أخذ أحدٌ الجهِةَ إذا قَصَدَ نحوها.
          وقوله: (شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ) هو تمثيلٌ. وفي روايةٍ أخرى: ((إنَّ اليَهُود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقةً وإنَّ هذِه الأمَّة تختلفُ على ثلاثٍ وسبعين فِرقةً كلُّها في النَّار إلَّا واحدةً))، يريد أنَّها تدخلُ النَّار إلَّا مَن عَفَا عنه.