التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمةً وسطًا}

          ░19▒ باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] وَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم بِلُزُومِ الجَمَاعةِ وَهُمْ أَهْلُ العِلْمِ.
          7349- ذَكَرَ فِيْهِ حَديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ قَالَ: قَالَ رَسُوْل اللهِ صلعم: (يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُوْلُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَتُسْأَلُ أُمَّتُهُ: هَلْ بَلَّغكُم؟ فَيَقُولُوُنُ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيْرٍ، فَيَقالُ: مَنْ شُهُودُكْ؟ فَيَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فقال رسول الله صلعم: فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ، ثمَّ قَرَأَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قَالَ: عَدْلًا، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}) الآية [البقرة:143]
          وعَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ حدَّثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ☺ عَنِ رَسُوْل اللهِ صلعم.
          الشَّرْح: معنى هَذَا الباب الاعتصام بالجماعة، أَلَا ترى قَوْلُهُ تَعَالَى: ({لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143])، ولا يجوز أَنْ تكون شهيدًا غير مقبول القول، ولمَّا كَاَنَ الشارع واجبًا اتِّباعه وجب اتِّباع قولهم؛ لأنَّ الله تَعَالَى جمعَ بينه وبينهم فِي قبول قولهم وزكَّاهم وأحسَنَ الثناء عليهم بقوله: ({وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}) يعني: عَدْلًا.
          والاعتصام بالجماعة كالاعتصام بالكتاب والسُّنَّة لقيام الدَّليل عَلَى توثيق الله ورسوله صِحَّة الإجماع وتحذيرهما مِن مفارقته بقوله تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ}الآية [النساء:115]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران:110] وهاتان الآيتان قاطعتان عَلَى أنَّ الأمَّة لا تجتمع عَلَى ضلالةٍ، وقد أخبر ◙ بذَلِكَ فيما له مِن كتاب ربِّه تَعَالَى فقال: ((لا تجتمِعُ أُمَّتي عَلَى ضلالةٍ)). فلا يجوز أَنْ يكون أراد جميعها مِن عصره إِلَى قيام الساعة لأنَّ ذَلِكَ لا يفيد شيئًا؛ لأنَّ الحكم لا يُعرف إلَّا بعد انقراض جميعها، فعُلم أنَّه أراد أهل الحلِّ والعَقْد مِن كلِّ عصرٍ.
          فَصْلٌ: ما فسَّر به الوَسَط بالعدْلِ، رُوي مرفوعًا كما أفاده ابن التِّين، وأصله أنَّ أحمدَ الأشياء أوساطها، وفي بقيَّةِ حَديث نوحٍ فِي غير هَذَا الموضع: ((فيقول قومُ نوحٍ: كيفَ يَشهدون علينا ونحن أوَّلُ الأُمم، وهم آخر الأمم، فتقولون: نَشهد أنَّ الله ╡ بعثَ إلينا رسولًا وأنزل إلينا كتابًا، فكان فيما أنزلَ إلينا خبرُكُم)) وعبارة الدَّاوُدِيِّ: ((يُقَال لهم: تَشهدون ولم تحضروا؟ فيقولون: أخبرنا نبيُّنا)) وَهْوَ قَوْلُهُ: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.