التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي كانَت ظاهرة

          ░22▒ بابُ الحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبِيِّ صلعم كَانَتْ ظَاهِرَةً، ومَا كَاَنَ بَعْضُهُمْ يَغِيْبُ مِنْ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صلعم وَأُمُورِ الإسْلاَمِ
          7353- ذَكَرَ فِيْهِ حَديث اسْتَئْذَان أَبِي مُوْسَى عَلَى عُمَرَ ☻، وطلبَ عُمَرَ ☺ مَنْ يَشهدُ لَهُ فجاء أَبُو سَعِيدٍ ☺.
          7354- وَحَدِيْثُ أبِي هُرَيْرَةَ ☺: (كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُول اللِه صلعم عَلَى مِلءِ بَطْنِي، وَكَاَنَ المُهاجِرُون يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأسْوَاقِ).
          الشَّرح: هذا الباب يُردُّ به عَلَى الرَّافضة وقومٍ مِن الخوارجِ زَعَمُوا أنَّ أحكامه ◙ وسُننه منقولةٌ عنه نقلَ تواترٍ، وأنَّه لا سبيل إِلَى العمل بما لَمْ يُنقل نقل تواتُرٍ، وقولهم فِي غاية الجهل بالسُّنن وطُرُقها فقد صحَّت الآثار أنَّ الصَّحابة أخذ بعضهم السُّنن مِن بعضٍ، ورجَعَ بعضهم إِلَى ما رواه غيره عَنْ رَسُول اللِه صلعم، وانعقد الإجماع عَلَى القول بالعمل بأخبار الآحاد، وبطَلَ قولُ مَن خرج عَنْ ذَلِكَ مِن أهل البِدع، هذا الصِّدِّيق عَلَى مكانته وسَبْقِه لَمْ يعلم النصَّ فِي الجدَّة حتَّى أخبره محمَّد بن مسلَمَة والمغيرة بالنصِّ فيها، فرجع إليه.
          وأخذ الفاروق بما رواه عبد الرَّحمن بن عوفٍ فِي حَديث الوَبَاء فرجع إليه، وكذلك أخذ أيضًا بما رواه أَبُو موسى ☺ مِن دِيَة الأصابع فرجع إليه، وبما رواه المغيرة ومحمَّدُ بن مسلَمَة فِي دية الجنين، ورجع عُمَر إِلَى أبي موسى وأبي سَعِيدٍ ☻ فِي الاستئذان، وَهْوَ حَديث الباب، وابن عُمَر يحكي عَنْ رافع بن خَدِيجٍ النَّهي عَنْ المخابرة فرجع إليه، والصَّحابة ترجِعُ إِلَى قول عائِشَة ♦: ((إِذَا التقى الخِتَانان فقد وجبَ الغُسل))، وفي أنَّه ◙ كَاَنَ يُصبح جُنبًا مِن جِماعٍ غير احتلامٍ ثمَّ يصوم، وأبو موسى رجع إِلَى حديث ابن مسعودٍ فِي ابنةٍ وابنةِ ابنٍ وأختٍ وَهَذَا الباب لا ينحصِرُ لبُعْدِهِ أَنْ يُستقصى.
          فَصْلٌ: قَوْلُ البُخَارِيِّ فِي الترجمة (كَانَتْ ظَاهِرَةَ) قيل: يعلمُها أكثر النَّاس. وفِيْهِ نظرٌ فإنَّ الفاروق عَلَى مكانِهِ قد خَفِيت عليه أشياءُ مِن أحكامه ومِن قوله كما سلف.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (استأذن أبُو موسى عَلَى عُمَر) ☻ جاء ثلاثًا كما سلف فِي بابه [خ¦6245]، وقيل: إنَّما ردَّ التحديد بالثلاث لأنَّ أصل الاستئذان فِي القرآن، وطلبُهُ البيَّنَةَ كَاَنَ استظهارًا إذَا أمكنه ذَلِكَ فِي خبر الواحد، وقد قضى به عُمَر ☺ فِي غير ما قضيَّةٍ.
          وَقَوْلُهُ: (أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ) لأنَّه كَاَنَ يأتي السُّوق لطلب الكَفَاف وما يقوى به عَلَى الجهاد وغيره ليس للتفاخُرِ والتكاثُرِ، وَ(الصَّفْقُ): هُوَ: ضربُ الكفِّ بالكفِّ عند التبايُع، والصَّفقة: السِّلعة التي يَتَصَافَقانِ عليها بالأكفِّ.
          فَرَعٌ: استأذنَ ثلاثًا وظنَّ أنَّهم لم يَسمعوه؟ وكَرِه ابن نافِعٍ الزيادة عليه، وقال: نتَّبِعُ الحَدِيْث ونأخذ به. وقال عيسى: يزيدُ.
          فَرْعٌ: لفظ الاستئذان: السَّلامُ عليكم أَأَدْخُلُ؟ كما سلف.
          فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: فِي حَديث أَبِي هُرَيْرَة ☺: (مَنْ يَبْسُطْ رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي، / فَبَسَطْتُ بُرْدَةً كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالحَقِّ مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ) قَالَ ابن التِّين: وقع عند الشيخ <يَنْسَ> بغير ألفٍ، ولأبي ذرٍّ <فَلَم يَنسَ> بجزمٍ بـ (لَم) وَهْوَ أظهر، وقد ذَكَرَ القزَّاز فِي «جامعه»: حكى بعض البصريِّين أنَّ مِن العرب مَن يَجزم بلن كلم وما وجدتُ شاهدًا، وظاهر حَديث أَبِي هُرَيْرَة ☺: أنَّه لم ينسَ شيئًا مِن مقالتِهِ تلك ولا ممَّا بعدها، وفي غير هَذَا الموضع أنَّه ما نَسِيَ مِن مقالتِهِ تلك شيئًا.