التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون

          ░10▒ باب قَوْلِ النَّبِيُّ صلعم: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ يُقَاتِلُونَ) وهُم أهْلُ العِلْمِ. /
          7311- ثمَّ ساق حديث المغيرة بن شُعْبَةَ ☺: (لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ).
          7312- وحديث مُعَاويَةَ بن أبي سُفْيَان ☻: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِي اللهُ، وَلا يَزَالُ أَمْرُ هذِه الأُمَّةِ مُسْتَقِيْمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ: يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ)
          الشرح: معنى (وَهُمْ ظَاهِرُونَ): غالبون، قال الدَّاودِيُّ: وفي حَديث مُعَاويةَ دلالةٌ على القول بالدَّليل؛ لأنَّه قد لا يقرأ القرآن مَن تعلَّم أكثر معانيه، وقد أتى في سورة النِّساء مِن آي المواريثِ والفرائضِ ما استدلَّ به بعض العلماء وتجدُ مَن يحفظ السُّورة ممَّن لا يعرف معانيها لا يقسِمُ فريضةً ولا يَعْرِفها.
          فَصْلٌ: فإن قلت: حَديث المغيرة لفظُهُ لفظ الخُصُوص في بعض النَّاس دون بعضٍ، وقال في حَديث مُعَاوية: ((لن يزالَ هذا الأمر مستقيمًا حتَّى تقومَ الساعة)) فعمَّ الأمَّةَ، وهذا معارِضٌ للحديث الأوَّلِ مع ما يُقوِّي ذلك ممَّا رواه محمَّد بن بشَّارٍ: حدَّثنا ابن أبي عَدِيٍّ، عن حُمَيدٍ، عن أنسٍ ☺ قال: ((لا تقومُ السَّاعة إلَّا على شِرَار النَّاس)).
          قلت: لا مُعَارضة بل بعضها دالٌّ على صِحَّةِ بعضٍ، ولكنَّ بعضها خرجَ على العموم والمراد به الخُصُوص، والحديثان في موضعٍ دون موضعٍ فإنَّ به طائفةً لا يضرُّهم مَن خالفهم وهم المعنيُّون بالحديث يريد في موضعٍ دونَ موضعٍ؛ لأنَّه لا نسخ في الأخبار ولا جائز أن يُوصَف الطَّائفة التي على الحقِّ بأنَّها شِرَار النَّاس وأنَّها لا توحِّد الله، فعَلِم أنَّ الموصوفين بأنَّهم شِرَار النَّاس غيرهم، وقد بيَّن ذلك أبو أُمَامةَ في حديثه مِن حَديث عَمْرِو بن عبد الله الحِمْصِيِّ، عنه مرفوعًا: ((لا تزالُ طائفةٌ مِن أُمَّتي ظَاهِرين على الحقِّ لعدُوِّهم قَاهِرين حتَّى يأتيَهم أمرُ الله وهم كذلك قيل: يا رسول الله، وأين هُم؟ قال: هُم ببيت المقدِسِ وأكنافِ بيتِ المقدِسِ)) فلا تَعَارُض.
          فَصْلٌ: فإن قلتَ: فأين ما فسَّره به مِن كونهم أهل العِلم؟ قلت: لعلَّه أشار إليه بقوله: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ).